تحديات المرحلة الإنتقالية في سوريا اليوم
المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات ….
أن ما ستحتاج إليه سوريا اليوم بعد عقود من التصحر السياسي هو عودة الحياة الديمقراطية والأنفتاح على الجميع والمهمة التاريخية والأساسية هي بناء دولة لا نظام، دولة مؤسسات وقانون ودولة مواطنين وحقوق في نظام ديمقراطي يحترم التداول في السلطة، ألم يقل أرسطو قبل أكثر من 2000 عام إن الدولة هي مجموعة مواطنين عاقلين أحرار لا جماعة مؤمنين ..؟ أليست كل مصائبنا من الأنظمة الديكتاتورية العسكرية والأنظمة الأصولية الدينية ..؟ الكل يعرف أن ليس هناك وقت للتجارب، والأمثلة واضحة في الخيار بين نظام يجوّف الدولة ويطحن المواطن، وبين دولة على قياس شعبها واهتماماته الإقتصادية والإجتماعية والثقافية والتنموية، فليس الحكم الإنتقالي تجربة جديدة بالنسبة إلى بلدان عدة كانت سبّاقة في الإنتقال من كابوس الديكتاتورية إلى حلم الحرية، ولا سيما في أوروبا الشرقية وأميركا اللاتينية وأفريقيا، والسؤال الآن هو ماذا عن الجيش الذي لم يقاتل وتولت إسرائيل تدمير أسلحته الإستراتيجية ..؟ وهل سيكون للمنتقين من عناصره دور خلال المرحلة الإنتقالية، ولا سيما أن سوريا الآن بلا جيش والفصائل المسلحة ليست جيشاً ..؟ من منا لا يعرف تجربة بول بريمر الغبي والجاهل في العراق حين حل الجيش وترك البلاد للفوضى وتفريخ الميليشيات المسلحة، وإذا كان هناك من هو في حاجة ماسة إلى دولة فإن على رأس القائمة سوريا ولبنان، فسوريا ألتي لم تكن في صدد بناء دولة، لأن الإصرار على حكم الأقلية للغالبية يمنع مجرد المغامرة بفكرة الدولة، لا بل إن الواقع في سوريا كان حكم مجموعة صغيرة للأقلية والغالبية معاً وتوظيفها في خدمة حاكم توتاليتاري ( الحكم المطلق )، فضلاً عن أعوام من ممارسات السلطة ومن الحرب أسهمت في التحريض الطائفي، وحتى لبنان هذا البلد الجميل بأرضه والراقي بشعبه وبتنوعه الذي لا حياة له إن لم يبني دولة وطنية، تعرّض للتلاعب بنسيجه الإجتماعي وإثارة النزاعات الطائفية والمذهبية، وهو دفع كثيراً خلال 30 عاماً من الحكم السوري القوي من وراء حكومات ورئاسات صورية ضعيفة، بل إن ضعاف النفوس فصّلوا بطبائع الأمور مداهنة الوصي السوري القوي للحصول على مناصب ومكاسب رخيصة، ولا أحد يعرف مدى الدمار النفسي الذي لحق بالشعبين السوري واللبناني تحت حكم ضيق قاساً يقال من باب التمويه إن رأس النظام كان يدير في وقت واحد نظامين : أحدهما ” توتاليتاري ” والآخر ديمقراطي مزيّف، وأن المعرفة قوة وأميركا تفقد المعرفة ألتي لها عنصران : الإبتكار والقابلية لسبق الآخرين، لأن قوة الدول لم تعد بالجيوش وأتساع الأرض، “بل بالتعليم والتكنولوجيا”، والساعة دقت لبناء القوة على قدرة المجتمع والذكاء الإصطناعي، وليس على الضغط والقمع والتعذيب والتصحر والجهل وتشيد السجون، ومن السهل أن تستعد إدارة ترامب للعمل مع الفصائل المسلحة لتأسيس المرحلة الإنتقالية في سوريا، إلا أنه من الصعب أن تضمن واشنطن وأنقرة والأمم المتحدة وأوروبا والعواصم العربية ما تفكر فيه الفصائل المسلحة وما في حساباتها غير المعلنة، ففي خريف عام 2015 كانت بداية إنقاذ بشار الأسد ونظامه من السقوط خلال أسبوعين بعملية عسكرية روسية، وفي شتاء عام 2024 كانت نهاية الأسد في موسكو كلاجئ إنساني، وفي الحالتين فشل في إمتحان المسؤولية عبر الإتكال على الحماية العسكرية الروسية والإيرانية، والرهان على اللاتسوية لأستمرار التفرد بسلطة العنف والقمع والتعذيب، كما أنه أيضا لا مجال مع أن حسابه عسير وثقيل والدعوات في البيت الأبيض والقصور الأوروبية والشارع السوري والعربي إلى محاسبته كمجرم ضد الإنسانية لأن يسمح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأي إجراء حيال الأسد، ومن يقفون أمام الإمتحان اليوم هم “قادة الثورة” الذين أسقطوا النظام وداعموهم الأتراك والأوروبيون والأميركيون الذين يرون بلسان الرئيس ترامب أن سقوط النظام فرصة تاريخية لسوريا، أما المادة
الأساس في الإمتحان فهي تشكيل الحكم الإنتقالي على الطريق إلى الترتيب الدائم لمستقبل السوريين، وأما الخطر فهو التراخي في مواجهة داعش وعودة الصراعات الدموية بين الفصائل المسلحة المتعددة، ذلك أن سقوط النظام هو الجائزة الكبرى لكن الميزان هو ما بعد الجائزة، فمن السهل أن تستعد إدارة ترامب للعمل مع الفصائل المسلحة في تأسيس المرحلة الإنتقالية، إلا أنه من الصعب أن تضمن واشنطن وأنقرة والأمم المتحدة وأوروبا والعواصم العربية ما تفكر فيه الفصائل المسلحة وما في حساباتها غير المعلنة، وتبقى المسألة على أية حال ليست إقامة نظام آخر محل نظام ساقط ومرتكب لأبشع الجرائم ضد الإنسانية، فالأنظمة ألتي رأينا نماذجها فتّاكة بالشعب، وهي تعود جميعاً لتقليد ما فعله ستالين الذي أختصر مشكلات الحكم وأي إعتراض ومجادلة بعبارة مشهورة ” لا يوجد إنسان – لا يوجد مشكلة ، أنا لا أثق بأحد، ولاحتى بنفسي”.
المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.