تحقيق استقصائي يكشف عن تحيز “بي بي سي” لإسرائيل وتلاعبات أنصارها بينهم محرر وتجاهل احتجاجات الموظفين فيها ـ (فيديو)

شبكة الشرق الأوسط نيوز :  نشر موقع “دروب سايت نيوز” تحقيقا مهما للصحافي البريطاني المعروف أوين جونز فضح فيه انحياز التغطية التي قامت بها هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) لإسرائيل في حربها على غزة. واستند تحقيقه إلى مقابلات مع 13 صحافيا وموظفين آخرين في “بي بي سي”، والذين قدموا رؤى مهمة حول كيفية تحريف كبار المسؤولين عن عملية الأخبار في داخل “بي بي سي” القصص لصالح روايات إسرائيل.

 ويكشف تحقيق أوين عن رفض “بي بي سي” أكثر من مرة الاعتراضات التي سجلها عشرات الموظفين الذين طالبوا المؤسسة، على مدار الأشهر الـ 14 الماضية، بالتمسك بمعايير بالنزاهة والإنصاف.

ويتألف تحقيق جونز حول هيئة الإذاعة البريطانية من ثلاثة مكونات رئيسية: نظرة متعمقة في الشكاوى الداخلية من صحافيي بي بي سي وأتبعه بتقييم كمي لكيفية وصف الهيئة الحصار المفروض منذ أكثر من عام على غزة، ومراجعة تاريخ الأشخاص الذين يقفون وراء التغطية، وعلى وجه الخصوص، محرر شؤون الشرق الأوسط في موقع  الهيئة، رافي بيرغ، المعروف بدعمه لإسرائيل وعلاقته بـ”الموساد” الذي ألف كتابا ممجدا له عن عمليته لنقل اليهود من إثيوبيا لإسرائيل.

محرر شؤون الشرق الأوسط في موقع  الهيئة، معروف بدعمه لإسرائيل وعلاقته بـ”الموساد”، وألف كتابا ممجدا له عن عمليته لنقل اليهود من إثيوبيا لإسرائيل

وعندما بدأ جونز هذا التقرير كصحافي مستقل وتواصل مع بيرغ للحصول على تعليق، استأجر بيرج في البداية محامي التشهير الشهير مارك لويس، الذي كان أيضاً المدير السابق لمنظمة مؤيدة لإسرائيل “محامون بريطانيون من أجل إسرائيل”.

ويعتبر جونز كاتب العمود في صحيفة “الغارديان”، الذي له حضور واسع على منصات التواصل الاجتماعي، من أهم الأصوات التي تعري إسرائيل وأنصارها، ويعرف دعمه للقضية الفلسطينية ونصرته للشعب الفلسطيني.

وشكر الموقع من تبرع لجونز من أجل دفع أتعابه القانونية بسبب التهديد بالملاحقة، وتقديم الاستشارة القانونية لنشر التقرير العميق، الذي تأخر نشره قليلا بسبب ذلك.

وجاء التحقيق الاستقصائي في ما يزيد عن 9,000 كلمة، وقد تعمق فيه في فهم أبعاد التحيز الذي يكشف عنه من جانب “بي بي سي” لصالح إسرائيل.

وهو جهد مهم نظرا للتأثير الذي تمارسه بي بي سي على الرأي العام البريطاني والعالمي والتي عادة ما تصف نفسها بأنها “مزود الأخبار الدولية الأكثر موثوقية في العالم”.

 وكما يلاحظ جونز، فإن تأثير موقع بي بي سي كبير ففي شهر أيار/مايو من هذا العام كان عدد زوار الموقع 1.1 مليار زائر.

 وقال جونز إن بي بي سي تعيش حربا أهلية بسبب تغطيتها لحرب غزة. ولقد أصبحت ساحة المعركة الأساسية بالنسبة للعاملين فيها هي عمليات الأخبار على الإنترنت. وتحدث جونز مع 13 من الموظفين الحاليين والسابقين الذين قدموا صورة عن خريطة للتحيز الواسع النطاق في تغطية بي بي سي للحرب وكيف قوبلت مطالبهم بالتغيير بصمت كبير من جانب الإدارة. وفي بعض الأحيان، يشير هؤلاء الصحافيون إلى أن التغطية “كانت أكثر سذاجة بشأن الادعاءات الإسرائيلية ومن قادة حزب المحافظين في بريطانيا ومن وسائل الإعلام الإسرائيلية، فيما تم التقليل من قيمة الحياة الفلسطينية، وتجاهل الفظائع، وخلق مساواة زائفة بين إسرائيل والفلسطينيين، في صراع غير متوازن تماما”.

 وأكد صحافيو “بي بي سي” الذين تحدثوا إلى جونز وطلبوا جميعهم عدم الكشف عن هويتهم خوفا من الانتقام المهني، أن الخلل بنيوي، وقد كرسه كبار المسؤولين وعلى مدى عدة سنوات.

وقد اتفق جميع الشهود الذين تحدثوا إلى الموقع على دور شخص واحد في التغطية المنحرفة للهيئة وبخاصة عندما يتعلق الأمر بالحرب في غزة، وهو رافي بيرغ، محرر شؤون الشرق الأوسط على موقع الهيئة على الإنترنت. وقالوا إن بيرغ هو من يحدد نبرة الإنتاج الرقمي لبي بي سي بشأن إسرائيل وفلسطين.

أكد صحافيو “بي بي سي” الذين تحدثوا إلى جونز وطلبوا جميعهم عدم الكشف عن هويتهم خوفا من الانتقام المهني، أن الخلل بنيوي، وقد كرسه كبار المسؤولين وعلى مدى  سنوات.

 وأكدوا أيضا أن الشكاوى الداخلية حول كيفية تغطية الهيئة لقطاع غزة تم تجاهلها مرارا وتكرارا. وقال أحد الصحافيين السابقين في بي بي سي: “إن مهمة هذا الرجل (بيرغ) بالكامل هي تخفيف كل ما يعتبر انتقادا مفرطا لإسرائيل”. ففي تشرين الثاني/نوفمبر خرج غضب الصحافيين من التغطية الشاملة للهيئة إلى العلن بعد أن وقع أكثر من 100 موظف في الهيئة على رسالة تتهم “بي بي سي” بالفشل في الالتزام بمعايير التحرير الخاصة بها.

وكتبوا أن بي بي سي تفتقر إلى “صحافة منصفة ودقيقة ومستندة إلى أدلة في تغطيتها لغزة” عبر منصاتها. وطلب الموظفون أيضا من الهيئة إجراء سلسلة من التغييرات المحددة مثل: التأكيد على أن إسرائيل لا تمنح الصحافيين الخارجيين إمكانية الوصول إلى غزة، والإشارة إلى الحالات التي لا يمكن فيها التأكد من مزاعم إسرائيل، وتسليط الضوء على مدى موثوقية المصادر الإسرائيلية، وتوضيح مسؤولية إسرائيل عندما تكون هي الجاني في عناوين المقالات. وكذا توفير تمثيل متناسب للخبراء في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك السياق التاريخي المنتظم الذي سبق 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، واستخدام لغة متسقة عند مناقشة الوفيات الإسرائيلية والفلسطينية، وتحدي ممثلي الحكومة والجيش الإسرائيليين بقوة في جميع المقابلات.

ويقول جونز إن أحد الصحافيين أخبره بأن الرسالة كانت “الخيار الأخير بعد أن حاول العديدون منهم التواصل باستخدام القنوات المعتادة مع الإدارة وتم تجاهلهم تماما”. وأخبره صحافي آخر أنهم لم يوقعوا على الرسالة لأنهم لم يكونوا على علم بها، مشيرا إلى أن قوة المشاعر تجاوزت “بشكل كبير” الموقعين.

ورفضت إدارة بي بي سي الادعاءات بأن مثل هذه المعارضة تم تجاهلها. وفي الرد الذي أرسلته ديبوراه تيرنس، الرئيسة التنفيذية لشركة بي بي سي نيوز، والذي حصل عليه “دروب سايت نيوز” فقد أخبرتهم تيرنس “يرجى ملاحظة أننا لا نرد عادة على المراسلات غير الموقعة والمجهولة”، مضيفة أن “بي بي سي نيوز فخورة بصحافتها ومنفتحة دائما على المناقشة حولها، لكن هذا يصبح أكثر صعوبة عندما لا تكون الأطراف على استعداد للقيام بذلك بشكل مفتوح وشفاف”. وزعمت أن بي بي سي تواصلت مع موظفي الهيئة الداخليين و”أصحاب المصلحة الخارجيين” بشأن تغطية إسرائيل وفلسطين، وجادلت بأن “بي بي سي لا تعكس ولا تستطيع أن تعكس أي وجهة نظر عالمية واحدة، وتقدم التقارير دون خوف من المحاباة”.

 ولكن أحد صحافيي بي بي سي أخبر جونز بأن هذا يعكس رغبة من الهيئة في “تأطير هذا الأمر باعتباره قضية تتعلق بسياسة الهوية، في حين أنه ليس كذلك، وقال: “إن الأمر يتعلق بعدم قبول الخط الإسرائيلي بشكل أعمى”. ووصف آخر هذا بأنه كلام “استعلائي للغاية”.

وبلغت الانتقادات الداخلية ذروتها مرة أخرى في كانون الأول/ ديسمبر، بعد أن قال الصحافيون إن “بي بي سي” فشلت في تسليط الضوء على تقرير منظمة العفو الدولية الذي خلص إلى أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني في غزة. وأعرب كبار المراسلين عن انزعاجهم من الزاوية التي تم اختيارها للتغطية المحدودة للبث.

وفي مجموعة واتساب لكبار المراسلين والمحررين والمنتجين في الشرق الأوسط ــ الذين يشار إليهم باسم “الكلاب الكبيرة” من قبل إدارة الهيئة، نشر أحدهم على القناة الإخبارية في الهيئة: “إسرائيل ترفض مزاعم الإبادة الجماعية الملفقة”. وعلق آخر: “اللعنة!! إنه هدف مفتوح لأولئك الذين يقولون إننا خائفون من إزعاج الإسرائيليين ويستمرون في صياغة قصصنا في إطار رواية “إسرائيل تقول”. وكما قال أحد صحافيي هيئة الإذاعة البريطانية لجونز: “هؤلاء مراسلون كبار متمكنون ــ وحتى هذا يزعجهم”.

وردا على هذا الانتقاد من جانب كبار الصحافيين في “بي بي سي”، قال متحدث باسم هيئة الإذاعة البريطانية: “نحن نأخذ ردود الفعل على تغطيتنا على محمل الجد، ولكن انتقاد منتج الهيئة بناء على لقطة شاشة واحدة تم التقاطها خلال بضع ثوان من التغطية، أو على ادعاءات كاذبة بأن الموضوعات “لم يتم تناولها” هو أمر غير مقبول”.

ولم تتم إضافة قصة “أمنستي” عن الإبادة الجماعية إلا بعد أيام من نشر التقرير مما يعني أنه تم قمع نشر معلومات عنها.

جاء التحقيق الاستقصائي في ما يزيد عن 9,000 كلمة، وقد تعمق في فهم أبعاد التحيز الذي يكشف عنه من جانب “بي بي سي” لصالح إسرائيل

 وبالإضافة إلى ما يرونه فشلا جماعياً في الإدارة، أعرب الصحافيون عن مخاوفهم من التحيز في تشكيل فهرس الشرق الأوسط على موقع بي بي سي الإخباري. ويزعم العديد منهم أن بيرغ “يدير هذا القسم بكل حيثياته”، مما يضمن فشله في الحفاظ على الحياد. وقال أحدهم لجونز: “لقد أثار العديد منا مخاوف من أن رافي [بيرغ] لديه القدرة على إعادة صياغة كل قصة، ولكن تم تجاهل ذلك”. وأشار صحافيو الهيئة أيضا إلى تيم ديفي، المدير العام لبي بي سي، وديبوراه تيرنس، الرئيسة التنفيذية لقسم الأخبار في الهيئة، باعتبارهما عائقا في طريق التغيير، وتسترهما على الغضب الموجه ضد بيرغ (محرر شؤون الشرق الأوسط). وقال الصحافيون: “كل مراسل تعرفه تقريبا لديه مشكلة معه. لقد ورد اسمه في اجتماعات متعددة، لكن المسؤولين يتجاهلون الأمر”.

وبعد مرور 14 شهرا على مراقبة إخفاقات بي بي سي وعن قرب، انقسم هؤلاء الصحافيون المحبطون بين الاعتقاد بأهمية البقاء ومحاولة إجراء التغييرات وبين الرغبة في التخلي عن ما يبدو وكأنه مظهر نظامي لا يمكن إصلاحه في الهيئة. ولكن الجميع يتفقون على أن الفجوة بين تغطية “بي بي سي” وخطورة الفظائع المرتكبة في غزة لا يمكن الدفاع عنها. وكما توصل أحدهم: “لقد وجد معظم الناس من أصحاب الضمير هنا أن التغطية حقيرة بصراحة وبالتأكيد لا ترقى إلى معاييرنا التحريرية”.

المصدر : القدس العربي

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.