لمن ستفتح دمشق أبوابها؟

شبكة الشرق الأوسط نيوز : يجمع سوريون ومعهم كثيرون في المنطقة والعالم على أن سقوط بشار الأسد ودخول هيئة تحرير الشام إلى دمشق كان بمثابة زلزال ضرب المنطقة وسيمر زمن طويل قبل أن تتوقف هزاته الارتدادية.

وكما في كل الحروب والنزاعات ثمة رابح وخاسر بالمطلق، ورابح بمقدار وخاسر بآخر  وفق الصفقات التي عقدت من تحت الطاولة ولم يصار بعد إلى إماطة اللثام عنها وإن بدت مفاعيها تتحرك كالأشباح على الأرض يقرؤها كل ضليع بالسياسة من وراء سطور التصريحات الرسمية التي ظهرت للعيان وكأنها منفصلة عن السياق الميداني الذي يفترض به أن يسمي الرابحين والخاسرين بأسمائهم ويحصر ثقلهم الجيو سياسي وفقاً لذلك.فمن هو الرابح والخاسر في حسابات السوريين بعد دخول الفاتحين الجدد إلى دمشق؟ سؤال سنحاول الإجابة عنه من خلال استطلاع رأي عدد منهم.

فمن هو الرابح والخاسر في حسابات السوريين بعد دخول الفاتحين الجدد إلى دمشق ؟

سؤال سنحاول الإجابة عنه من خلال استطلاع رأي عدد منهم.

إيران: خسائر بثقل استراتيجي

يرى أحمد (طالب هندسة) أن إيران هي أكبر الخاسرين في المنطقة جراء سقوط نظام الرئيس بشار الأسد ودخول مجموعات أصولية إلى دمشق تناصبها العداء العقائدي وتجاهر بالرغبة في تقليم أظافرها الإقليمية. مشيراً إلى أن اثني عشر يوماً من بدء معركة ” ردع العدوان” كانت كفيلة بطي عقود من العلاقة الاستراتيجية بين إيران وسورية التي أسسها الرئيس الراحل حافظ الأسد والإمام الخميني و التي وقفت فيها سورية خلافاً لجل العرب مع إيران في الحرب العراقية الإيرانية ودفعت ثمناً إقتصاديا باهظاً حين قرر الأسد الأب إيقاف خطوط الصادرات العراقية إلى مياه البحر المتوسط الأمر الذي حرم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين من مصدر مالي وفير لدعم آلته الحربية ضد إيران.
واضاف أحمد في حديثه لموقع “RT” بأن إيران أدركت عقب الحرب العراقية الإيرانية حاجتها الاستراتيجية إلى خوض معاركها في مواقع متقدمة بعيداً عن حدودها على قاعدة ما اصطلح على تسميته بJ” الردع الأمامي” الذي نجحت فيه بشكل محدود في أيام الرئيس حافظ الأسد الذي حافظ على استقلالية قراره السيادي إلى حد بعيد فيما اضطر الأسد الإبن للإفساح أكثر لحركة الإيرانيين في سوريا بعدما تهدد نظام حكمه من قبل فصائل المعارضة الأصولية المسلحة وعليه فقد نشر الحرس الثوري الإيراني مئات المواقع العسكرية في سوريا وشكلت قوات رديفة إلى جانب الجيش السوري كان لها الأثر الكبير في صموده قبل أن يقترف الأسد خطأه القاتل بحل هذه القوات والطلب من الإيرانيين الانحسار تدريجياً من سورية بناء على وعود وضمانات إماراتية – سعودية لم يجد مسؤولو هذين البلدين حاجة للالتزام بها مع الإنهيار الدراماتيكي للجيش السوري ودخول طلائع المعارضة المسلحة إلى دمشق.

روسيا: أدينا مهامنا تجاه السوريين على أكمل وجه.

يرى المحلل السياسي فادي بودية أن هناك من يريد أن يعلق سقوط ورحيل نظام الرئيس بشار الأسد على روسيا بالتحديد .
وفي حديث خاص بموقع “RT” سأل بودية هؤلاء عن مصلحة روسيا في رحيل الأسد عن السلطة والجميع يرى تقليصا للوجود الروسي فيها؟!
وأضاف: “ألم تأت روسيا في العام 2015 بحضورها العسكري وساهمت في إنقاذ سوريا والرئيس الأسد تحديداً من مخالب المؤامرة الإرهابية وقد دفعت لأجل ذلك أثمانا باهظة وكبيرة لقاء هذا الموقف. ؟!
وشدد بودية على أن روسيا قادت العديد من المبادرات إلى جانب إيران من أجل التقارب بين الرئيس الأسد وتركيا مشيراً إلى أن الرئيس الأسد كان هو من يعرقل هذه المبادرات في حين أنه مشى في التقارب مع دول عربية أخرى كانت كذلك مشاركة في المؤامرة عليه”.

وذكر بودية بعدد المرات التي استخدمت فيها روسيا حق النقض( الفيتو) من أجل دعم سوريا والرئيس الأسد ومبادرتها إلى التقارب بين الأسد والإمارات ومساهمتها الكبيرة في عودته إلى جامعة الدول العربية.
كما ذكر بأنها هي التي قامت بإجلاء الرئيس الأسد من قاعدة حميميم بعدما قدمت له اللجوء.
متسائلاً:
وماذا لو لم تفعل ذلك؟!
اين كان سيذهب الرئيس الأسد؟!
ومن كان سيستقبله غير روسيا وإيران؟!
ولفت المحلل السياسي إلى أن بعض الذين يتهمون روسيا يملكون عقلية المؤامرة ويتغلغل في كيانهم نظرية الخيانة دون الالتفات إلى أن الجيش السوري لا يريد أن يقاتل وأن الشعب يتوق إلى التغيير على اعتبار أن الرئيس الأسد لم يلتفت إلى إصلاحات حقيقية تنقذ شعبه من الضغط الاقتصادي والأمني دون نسيان وتجاهل الحصار العربي – الخليجي الذي لم يتحدث أحد عنه كما أن أحدا لم يتحدث عن الحصار الغربي الذي استمر حتى سقوط الرئيس الأسد.

وختم بودية حديثه لموقعنا بالإشارة إلى أن ميزة روسيا والمقاومة وإيران هي الوفاء وخير دليل على ذلك هي تجربة الأعوام الثلاثة عشر في سوريا والتي يجب قراءتها بإنصاف بعيداً عن الانفعالات والأحكام المسبقة.

وعلى المنوال نفسه غزل أحمد، وهو طبيب سوري درس في روسيا ويحمل الكثير من الذكريات الطيبة عن هذا البلد وأهله.
يقول الدكتور أحمد لموقعنا بأن أي دعم في العالم على مستوى الدول والمؤسسات والأشخاص ومهما بلغ حجمه لا يغني ولا يستوفي الغاية منه إذا لم تتوفر في متلقيه إرادة الشجاعة والقوة وحكمة اتخاذ الموقف.

وأضاف بأن هذا الأمر ينطبق بشكل كبير على الدعم الروسي لسوريا والذي نجح في استنقاذها من براثن الإرهاب ووضع حكومتها على سكة الانفتاح الإقليمي والدولي عليها من خلال دعم المبادرات السياسية وتشجيع الدول على التواصل مع دمشق والتأكيد على ضرورة شروع الحكومة السورية في إجراء إصلاحات سياسية تكسبها الثقة وتعزز من شرعيتها مشيراً إلى أن الجهد الروسي على مستوى الدولة السورية أثمر نجاحاً واستقرارا وأمانا لكن تعنت الرئيس بشار الأسد وإصراره على التسويف والعناد فيما يخص الدعوات الموجهة إليه من موسكو بشأن الإصلاح واللقاء مع الرئيس التركي للاتفاق على عناوين سياسية واقتصادية تساعد السوريين على الخروج من سجن التعنت الذي سجنهم الأسد داخله أوصل الأمور إلى هذه الخواتيم في الوقت الذي لا تزال روسيا تحظى فيه بثقة شرائح وازنة من السوريين على اختلاف توجهاتهم.
وتمنى الدكتور أحمد أن يبقى التواجد الروسي في سوريا قائماً على كافة المستويات وبأشكاله الصلبة والناعمة لأنه سيشكل ضمانة حقيقية للشعب السوري وخصوصاً أولائك المعجبين بالثقافة الروسية والمتخوفين من الأدوار الأمريكية والتركية وغيرها.

 

تركيا: رابح _ رابح

يتفق كل السوريين على أن سوريا بعد سقوط الأسد أصبحت بشكل شبه كامل في عهدة تركيا التي لم تخف يوماً أطماعها التاريخية في بلاد الشام والعراق وخاصة حلب والموصل.

وفي حديثه لموقعنا يرى خليل (أستاذ علم اجتماع) أن نظام الرئيس بشار الأسد كان على مدى السنوات الأحد عشر الأولى من حكمه على علاقة وثيقة برئيس الوزراء التركي في ذلك الوقت والرئيس الحالي رجب طيب اردوغان حيث انفتح البلدان على بعضهما بشكل كبير ومالت دفة الاقتصاد في حينه لمصلحة الأتراك على نحو تضررت معه مصالح الصناعيين والحرفيين السوريين كثيراً نتيجة هيمنة البضائع التركية على الأسواق السورية في مقابل دعم سياسي اخذته سورية من تركيا وخاصة بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري وتردي العلاقة بين دمشق والرياض على خلفية اتهام هذه الأخيرة لنظام الرئيس بشار الأسد بالوقوف بشكل مباشر أو غير مباشر وراء ذلك.

ويضيف خليل بأن الأطماع التركية في سوريا والمنطقة قد تجاوزت وبأشواط كل الامتيازات التي قدمها نظام الرئيس بشار الأسد لأنقرة التي وجدت في “الربيع العربي” فرصة مناسبة لإحياء أطماع الخلافة العثمانية التي امتدت على مساحة الوطن العربي بكاملة وكان عواصم البلدان العربية في دمشق وبغداد والقاهرة حواضر لها.

وهكذا طالبت أنقرة الأسد بتقديم تنازلات جذرية لجماعة الإخوان المسلمين الذين شكلوا الحلفاء التاريخيين لحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا وحين رفض الأسد ذلك ( زيارة وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو الشهيرة إلى دمشق) فتحت أنقرة حدودها لدخول المجموعات الأصولية من كل أنحاء العالم الإسلامي إلى سوريا والتي ارهقت الجيش السوري في حرب طويلة امتدت لثلاثة عشر عاماً وانتهت بدخول ” هيئة تحرير الشام” إلى دمشق لتقع البلاد كلها تحت سيطرة حلفاء أنقرة الأمر الذي يجعلها أكثر الرابحين في هذا الصراع.
كما أن انتصار أنقرة في سوريا سوف يؤسس لتمدد نفوذها في العراق ولبنان وغيرها من البلدان على حساب النفوذ الإيراني وربما السعودي أيضا كما قد يسمح لها بقطع دابر إيران وبشكل نهائي عن القوقاز إذا ما نجحت في استخدام القوة لفتح ممر زنجزور الذي سيربط أذربيجان بتركيا عبر أراض تسيطر عليها أرمينيا حالياً مستكملة توجيه الضربات لإيران وحليفتها أرمينية بعدما انتزعت من هذه الأخيرة إقليم ناغورنو قرة باغ في أيلول من العام 2023.
ويشير أستاذ علم الاجتماع إلى وجود عقبات أمام الهيمنة التركية الكاملة على سوريا وتتمثل في استمرار الدعم الأمريكي لقوات سورية الديمقراطية (قسد) التي تعدها أنقرة امتداداً لحزب العمال الكردستاني الذي تصنفه باعتباره منظمة إرهابية والتي تسيطر على منابع الثروة النفطية في مناطق شرق الفرات و تقارع ” الجيش الوطني” الذي شكلته أنقرة من فصائل موالية لها. وهي الآن تنتظر تولي الرئيس ترامب مقاليد الحكم في واشنطن لتنظر إن كان سيستمر في دعم القوى الكردية أم أنه سيتخلى عنها لمصلحة أنقرة شريكته في حلف الشمال الأطلسي.

أمريكا وإسرائيل: حققنا المراد

على الرغم من بقاء جبهة الجولان السوري المحتل هادئة على مدى عقود طويلة من الصراع مع إسرائيل ونأي الرئيس بشار الأسد بنفسه عن الدخول في معركة ضدها عقب عملية السابع من أكتوبر رغم تلقي الجيش السوري العديد من الضربات فإن نظام الرئيس الأسد لم يكن يروق لكل من واشنطن وتل أبيب بسبب من جعله الجغرافيا السورية ممرا لحركة مقاومة إسرائيل في كل من لبنان وفلسطين وهو الأمر الذي لم تتجاسر عليه أية حكومة عربية أخرى منذ عقود طويلة.
وعليه فقد استشعر الأمريكيون والاسرائيليون الراحة في سقوط نظام الأسد مع رجوح فرضية مشاركتهم العملية في ذلك.
وقد أحزن السوريين كثيراً قيام سلاح الجو الإسرائيلي وخلال أيام قليلة من دخول الفصائل المسلحة إلى دمشق بأكبر عملية جوية في تاريخه أجهزت على القدرات الكبيرة للجيش السوري الذي عمل عليها خلال عقود طويلة من الزمن وصرفت لأجلها مئات المليارات من الدولارات التي حرم منها الشعب السوري على خلفية السعي لبناء التوازن الاستراتيجي مع إسرائيل كسياسة اتبعها الرئيس الراحل حافظ الأسد.

يقول عمر مثقف وأستاذ مدرسة في حديثه لموقعنا بأنه لم يتفاجئ بتأخر حكام دمشق الجدد في إدانة الاعتداءات الإسرائيلية على مواقع الجيش السوري التي ستصبح وبشكل تلقائي ملكا لهم ولجيشهم القادم مرجحاً أن يكون ذلك في سياق الاتفاق المسبق بين هيئة تحرير الشام وكل من واشنطن وتل أبيب .
واضاف بأنه وطوال فترة الصراع ما بين النظام السوري السابق والفصائل الإسلامية المسلحة وعلى رأسها هيئة تحرير الشام لم تبدر من هذه الأخيرة أية تصريحات سلبية ضد إسرائيل أو إنكار لانتهاكها السيادة السورية وضرب البنى التحتية للجيش. والمنشات العامة بما في ذلك قتل المدنيين الأبرياء. مشيراً إلى أن القائد العام لهيئة الحكم الانتقالي احمد الشرع وحلفاءه فهموا جيداً أن الطريق إلى حكم دمشق يقوم بحده الأدنى على قاعدة عدم الاشتباك السياسي وحتى اللفظي مع إسرائيل وواشنطن وعدم الاعتراض على بقاء القوات الأمريكية في سوريا والاعتراض الخجول على توغل القوات الإسرائيلية إلى ما بعد خط فض الاشتباك المتفق عليه بين سوريا وإسرائيل في العام 1974.
ولم يستبعد عمر قيام حكام دمشق الجدد بالاعتراف بإسرائيل وفتح سفارة لها في دمشق وتبديد كل مخاوفها الأمنية بشكل عملي على الأرض أو بواسطة الأمريكيين مقابل السماح لهم بإدارة شؤون الحكم ونيل الإعتراف الدولي من بوابة العلاقة الطيبة مع إسرائيل وواشنطن دون غيرهما.

الخليج وبقية العرب:

إذا كان انحسار الوجود الإيراني عن سوريا بعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد قد شكل خبرا سارا للسعودية والإمارات ومعهما العديد من البلدان العربية كمصر والأردن وغيرهم فإن التمدد التركي على حساب الإيراني المنحسر قد بشكل هاجساً حقيقياً بالنسبة لهذه الدول وخصوصاً السعودية التي تنازع تركيا زعامة العالم الإسلامي وخصوصاً السني منه فيما قامت كل من الرياض وأبو ظبي بتصنيف جماعة الإخوان المسلمين حلفاء أنقرة كجماعات إرهابية.

وما خلا قطر التي تسير دائما في ركاب تركيا فإنه وفقاً للشيخ محمد (رجل دين وإمام جامع) فإن العالم العربي والإسلامي قد يكتشف أنه ارتكب خطأ كبيراً حين ترك لأنقرة فرصة السيطرة على دمشق ولم يبادر خلال اجتماع آستانا الأخير في الدوحة وما تبعه من اجتماعات ومواقف عربية إلى فرض عملية وقف إطلاق النار لتنفيذ القرار الأممي 2254 الذي نص على تشكيل هيئة حكم انتقالي وتقاسم السلطة بين الأسد والمعارضة، مشيراً إلى أن الأسد بما كان يملكه من قوة على رأسها الجيش والأمن كان سيفضل حينها وعقب الخروج الإيراني من سوريا التحالف مع الطرف المناقض لاردوغان الأمر الذي كان سيعطي الجانب العربي وجوداً قوياً في سوريا يشك إن كان سيناله اليوم مع إعجاب الكثير من السوريين بالنموذج التركي المنتصر وطعنهم على الجانب العربي الذي لم يستطع وقف حرب الإبادة في غزة رغم كون أهل غزة مسلمون سنة على ما يقول الشيخ محمد الذي ختم حديثه لموقعنا بالاشارة إلى أن العرب غالباً ما يحيكون المؤامرات لمصلحة غيرهم وهو الأمر الذي تجلى بتسليم اردوغان وحزب العدالة والتنمية مفاتيح دمشق دون الانتباه إلى أن ذلك قد يعني بالضرورة تهديد عروشهم ودولهم الوطنية.

المصدر: RT

 

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.