*فادي السمردلي يكتب:أول الرقص(!؟) وعود البدايات واخفاقات الواقع*
*بقلم فادي زواد السمردلي* ….
*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*
المثل الشعبي “أول الرقص حنجلة” يحمل دلالة عميقة تتجاوز المعنى الظاهري للإشارة إلى خطوات الرقص الأولى، ليصبح رمزًا لكل البدايات التي قد تبدو مبشرة لكنها تحمل في طياتها ملامح الفشل أو التعثر إذا لم تكن متبوعة بخطوات أكثر توازنًا واحترافية ويمكن إسقاط هذا المثل بقوة على المشهد السياسي، وبخاصة على مسيرة بعض القيادات الحزبية التي تبدأ مشوارها بحركات استعراضية تخطف الأضواء، لكنها سرعان ما تكشف عن ضعف في الرؤية والتخطيط، مما يؤدي إلى أزمات داخلية وفقدان المصداقية أمام الجماهير واعاقة منظومة التحديث السياسي.
عندما تتولى بعض القيادات الحزبية الجديدة دفة المسؤولية، فإن التوقعات تكون في ذروتها، حيث ينتظر ألجميع منهم تحولات جذرية وقرارات حاسمة وفي هذا السياق، يعتمد بعض القادة على خطوات رمزية أولية أشبه بالحنجلة في الرقص فهذه الخطوات قد تكون زيارات ميدانية ، أو خطبًا حماسية مليئة بالوعود الكبيرة، أو حتى مشاريع ظاهرها التجديد وباطنها الارتجال وفي حين أن هذه البدايات قد تبدو جذابة، فإنها تفتقر إلى الأسس الصلبة التي تضمن لها الاستمرارية وبدلاً من أن تكون هذه الحنجلة مقدمة لرؤية متماسكة، تتحول إلى إشارات مقلقة عن ضعف النهج، فتبدأ الثغرات بالظهور تدريجيًا.
ما يفاقم هذا الوضع هو أن بعض هذه القيادات الحزبية تُسيّرها حماسة شعبوية، حيث تغلب الرغبة في كسب الشعبية على بناء قاعدة تنظيمية قوية أو وضع خطط استراتيجية طويلة الأمد وهذا النمط يبرز بشكل خاص في الأحزاب التي تعتمد على شخصنة القيادة، لتصبح محور كل شيء، فيما تتضاءل أهمية المؤسسات الداخلية للحزب فالحنجلة هنا لا تكون مجرد رمز لبداية غير متزنة، بل تتحول إلى أسلوب دائم، حيث يتكرر الاستعراض دون تحقيق إنجازات حقيقية ومع مرور الوقت، يبدأ ألاعضاء بفقدان الثقة في القيادة، خاصة عندما يتضح أن المشاريع الموعودة ليست سوى وعود بلا تنفيذ.
إلى جانب ذلك، هناك بُعد نفسي فكثير من القادة الجدد يشعرون برغبة ملحة في إثبات أنفسهم بسرعة، فيلجؤون إلى أساليب تثير الضجيج و(الشو) الإعلامي والسياسي، معتقدين أن ذلك كافٍ لكسب القواعد الشعبية غير أن السياسة، كما الرقص، تحتاج إلى توازن وإيقاع منضبط فالحركات العشوائية قد تبدو مبهرة للحظة، لكنها تفقد جاذبيتها بسرعة إذا لم تكن مدعومة بخطوات متقنة وبالنسبة للقادة، فإن عدم الاتزان في البداية يؤدي إلى تراكم الأخطاء الاستراتيجية التي قد تنتهي بتفكك الحزب وإضعافه.
من الأمثلة الواقعية على ذلك، نجد قيادات حزبية استهلت مسيرتها بتغييرات جذرية دون دراسة، مثل إقالة او قبول استقالة كوادر تاريخية أو اتخاذ مواقف سياسية مفاجئة وغير مدروسة بهدف إثبات “التغيير”. وعلى الرغم من أن هذه التحركات قد تحظى ببعض الدعم في البداية، فإنها غالبًا ما تُظهر آثارها السلبية لاحقًا، حيث يفقد الحزب توازنه الداخلي، وتنشأ صراعات بين التيارات المختلفة، وينتهي الحال بفشل القيادة في إدارة الانقسامات وفي النهاية، تنعكس هذه البدايات غير المحسوبة على صورة الحزب ككل، فتضعفه أمام منافسيه وتفقده ثقته الشعبية.
ما يجعل المثل “أول الرقص حنجلة” مناسبًا لهذا السياق هو أنه لا يقتصر على توصيف الخطوات الأولى، بل يحذر من تبعاتها فالنجاح في القيادة، كما في الرقص، لا يُقاس بالبدايات وحدها، بل باستمرارية الإيقاع ومدى الانسجام بين القادة وفريقهم ففي السياسة، القائد الناجح هو من يدرك أن البداية ليست سوى جزء من مسار طويل، وأن البناء الحقيقي يحتاج إلى تخطيط دقيق، وتواصل فعّال مع القواعد، وتقييم مستمر للخطوات السابقة.
في ختام الأمر، يمكن القول إن “أول الرقص حنجلة” ليس مجرد مثل شعبي، بل هو درس عميق للقيادات الحزبية التي ترغب في تحقيق النجاح فالبداية قد تكون مثيرة وجاذبة، لكن استدامة النجاح تتطلب ما هو أكثر من الحنجلة تحتاج إلى رؤية، وإصرار، ومرونة، وقدرة على الاستماع للجميع لأن الرقص، كما القيادة، لا ينجح إلا إذا كان متناغمًا ومنضبطًا، ويمثل جهدًا جماعيًا لا فرديًا.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.