اتفاق غزة بعيون الإسرائيليين.. يعيد “رهائن” لكنه يبدّد “النصر المطلق” ويبقي “حماس”

شبكة الشرق الأوسط نيوز : تسود في إسرائيل أجواء مختلطة، وقد عبّر وزير الأمن الأسبق، رئيس حزب “يسرائيل بيتنا”، أفيغدور ليبرمان، عن ذلك بقوله للإذاعة العبرية العامة، صباح اليوم الخميس، إن اتفاق الصفقة صعب، وطعمه مختلط بين الحلو والحامض… فـ “حماس” لا تتنازل عن حكمها في غزة، وستعود للسيطرة على المساعدات الإنسانية هناك، وربما تزداد قوة في الشارع الفلسطيني.

وهذا هو الشعور العام في إسرائيل اليوم، فمن جهة هم فرحون لوقف الحرب المتوحشة على غزة، لأنها طالت، وكانت مكلفة لهم أيضًا في عدة مستويات، والآن توقف الصفقة النزيف وتعيد عشرات من الرهائن بعد 15 شهرًا من الأسر. وفي المقابل، ستفرج الصفقة عن آلاف الأسرى، بمن فيهم ذوو المحكوميات العالية، وهناك قلق في الجانب الإسرائيلي على مستقبل بقية المحتجزين المؤجّل إطلاقهم لمرحلة الثانية، ومعه غضب على الثمن الذي سُدد في الشهور الأخيرة دون سبب، بعدما اكتشفوا أنه كان بالإمكان إتمام الصفقة هذه قبل ثمانية أشهر، ودون الخسائر التي وقعت على الطريق كثمن للتهرّب غير المبرر منها.

عاموس هارئيل، نتنياهو هو في نهاية المطاف مجموع مخاوفه، والاتفاق يدلّل على أن ترامب يخيفه أكثر من بن غفير

وبخلاف اتهامات الإدارة الأمريكية وحكومة الاحتلال بأن “حماس” هي التي منعت إنجاز صفقة، فقد فضح وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير كذبة نتنياهو الكبرى بقوله، أول أمس، إن حزبه “العظمة اليهودية”، وحزب “الصهيونية الدينية” برئاسة سموتريتش، هما اللذان حالا دون التوصل لصفقة.

ولذا تتزايد الأوساط الإسرائيلية التي تتساءل عن الحكمة وعن الدافع والثمن خلف تأجيل توقيع الصفقة الحالية طالما أن مضمونها متطابق للصفقة التي أعلنها بايدن في 27 مايو/أيار الماضي، ورفضها نتنياهو وعطّلها بطرحه شرط السيطرة على محوري فيلادلفيا ونيتساريم، رغم أنها صيغتها إسرائيلية في الأصل.

 وهذا ما يتوقف عنده محلل الشؤون الاستخباراتية في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، رونين بيرغمان، بقوله اليوم: “إننا لم نكن مضطرين لتسديد ثمن الدم هذا”، لافتًا إلى أن نتنياهو وزمرته تراجعوا عن صيغة هذه الصفقة في أيار بعدما أدخلا شرط السيطرة على فيلادلفيا للأبد، والآن ينص الاتفاق على الانسحاب الكامل منه بعد 50 يومًا، وهكذا بما يتعلق بمحور نيتساريم، فالصفقة تعيدنا لذات النقطة، والسؤال لماذا كنا محتاجين لشهور كثيرة من الحرب سؤال سيشغلنا لسنوات طويلة.

سيداتي سادتي: انقلاب!

هذا ما يؤكده أيضًا محلل الشؤون العسكرية في صحيفة “هآرتس”، عاموس هارئيل، بقوله، اليوم الخميس، إن نتنياهو هو في نهاية المطاف مجموع مخاوفه، وإن الاتفاق يدلّل على أن ترامب يخيفه أكثر من بن غفير.

ويعتبر هارئيل أن المرحلة الأولى من الصفقة خطوة ضرورية للبدء في الحديث عن استشفاء المجتمع الإسرائيلي، في ما سيكون الامتحان الحقيقي في الجولة الثانية، بالوعد بالإفراج عن بقية المخطوفين وسط استكمال الانسحاب، ويتابع: “رغم أن ترامب يبدو واثقًا من نفسه، فهذه ستكون مهمة صعبة ومشبعة بالتوترات”.

ويتطابق معه زميله محرر ملحق “هآرتس”، الكاتب المعلق في “هآرتس”، روغل ألبر، الذي يوضح أن الجانب الإسرائيلي أشاد بترامب بسبب فاشيته، والآن يتضح أنه حمامة السلام مع مطرقة بالأصل، ويقول إن الرئيس الأمريكي المنتخب مبجل في إسرائيل، خاصة لدى اليمين الصهيوني، لكن السياسات التي يمليها على نتنياهو الآن معارضة لرغبة هذا اليمين، كونها سياسات المعسكر الإسرائيلي المعتدل. ويضيف: “القناة 14، الناطقة بلسان اليمين ونتنياهو، معجبة جدًا بترامب، ولكنه لم يستجب لصلواتها، فقد أنتج سلوكه حصول تنافر معرفي عميق في إسرائيل، حيث يجد معارضيه الإسرائيليين متفاجئين للأفضل، أما أنصاره فهم اليوم خائبون محبطون ويشعرون بأن ترامب قد خانهم”.

 عاموس جلعاد: كان بمقدورنا إتمام الصفقة في أيار، لكن نتنياهو تهرب منها بذرائع مختلفة، واليوم تبخرت خطاباته عن أهمية محوري فيلادلفيا ونيتساريم

ويعكس رسم كاريكاتير “هآرتس”، التي تبارك الاتفاق وتدعو لاستكماله في افتتاحيتها اليوم، هذه الخيبة في اليمين الإسرائيلي، حيث يطل ترامب متجهم الوجه، عبوسًا، على وسع شاشة القناة 14، المعلقة على جدار مكتب نتنياهو، وفيه وزراؤه وأبواقه، وهم بحالة فزع، بعضهم يبكي، ومن فوق الرسم كُتب بالعبرية “انقلاب”.

ترامب الثاني

ويبدو أن الإسرائيليين لم يقيموا ترامب الحقيقي أو “ترامب الثاني”، المختلف عن نفسه في ولايته الأولى، بشكل حذر، فهو أولاً متقلب المزاج، وربما لا زال متحاملًا على نتنياهو منذ بارَكَ لبايدن فوزه بعد انتخابات 2020، وثانيًا، ترامب حر طليق من الضغوط السياسية في ولايته الحالية، خاصة أن الأغلبية الساحقة من اليهود الأمريكيين صوّتوا لصالح منافسته الديمقراطية كاميلا هاريس، فيما صوتت أغلبية العرب والمسلمين له.

ويبدو أن ترامب معني بوقف الحرب على غزة كمقدمة لصياغة الشرق الأوسط من جديد من خلال استكمال اتفاقات أبراهام، وهو يعي أن السعودية لن تدخل دائرة التطبيع دون ما يوفر غطاء يحفظ لها الشرعية للتطبيع، على شاكلة وقف الحرب، ودون إعلان مسار تفاوضي ينتهي بدولة فلسطينية.

ومن غير المستبعد أيضًا أن عين ترامب تنظر بعد ذلك لجائزة نوبل للسلام، ولذا كان لا بد من وقف الحرب على غزة برسالة صارمة حملها مبعوثه ستيف وتكوف، قبل أسبوع.

النصر المطلق

كما تنبع مشاعر الاستياء في إسرائيل من حقيقة بقاء حركة “حماس” في السلطة داخل قطاع غزة، رغم التدمير البربري، بعدما كان ائتلاف نتنياهو قد اعتبر “النصر المطلق” و”إسقاط الإرهاب” من الحكم الهدف الأهم للحرب. ومما زاد من تدني الحالة المعنوية، خيبة الأمل من ترامب، الذي انتظروا إنزاله “الجحيم” على غزة و”حماس”، ليكتشفوا لاحقًا أن تهديده موجّه لإسرائيل أيضًا، وتجلّى ذلك بوضوح في مشاركته منشورًا لمقال أكاديمي أمريكي بارز اتهم نتنياهو، قبل أسبوع، بدفع الولايات المتحدة للحرب على العراق ومحاولة استدراجها مجددًا لحرب ضد إيران.

ترامب أرعب الجميع

ويرى الرئيس الأسبق للجناح السياسي الأمني في وزارة الأمن، الجنرال في الاحتياط عاموس جلعاد، الذي يعزو توقيع الاتفاق الآن، بخلاف رغبات نتنياهو وائتلافه، لظهور ترامب، في حديث للإذاعة العبرية العامة، أن ثمن الصفقة باهظ، ولكن ينبغي أخذ قرارات حسب سلم أولويات صحيح. وتابع: “لا يوجد أهم من عدم إهمال مواطنين. كان بمقدورنا إتمام الصفقة في أيار، لكن نتنياهو تهرب منها بذرائع مختلفة، واليوم قد تبخرت خطاباته عن أهمية محوري فيلادلفيا ونيتساريم. هذه هي الحقيقة، رغم محاولات إسرائيلية رفضها، والآن نحصد ما زرعناه، فبدون طرح بديل لـ “حماس” ستبقى في السلطة في القطاع”.

من غير المستبعد أن عين ترامب تنظر لجائزة نوبل للسلام

 وتطرق جلعاد لخيبة الأمل من ترامب، فقال إنه هدد بالجحيم فأخاف الطرفين والوسطاء، وبدا كسمكة قرش وأرعب كل السمك من حولها، فهو مخيف، وهو معني بمسيرة إقليمية كبيرة: تطبيع مع السعودية، وهذه فرصة عظمى لإسرائيل، علاوة على الفرص الأمنية والاقتصادية والإستراتيجية، كمنع إيران من النووي، وترامب مصمم على ذلك. وقال ذلك أمس: “ذاهبون لاتفاقات إقليمية”.

ويؤكد جلعاد أن إسرائيل بحاجة لهذه التحالف من أجل إعادة بناء القوة ولترميم ذاتها.

وخلص جلعاد للقول إن إسرائيل مرتبطة بأمريكا، ولا بدّ من التنسيق معها، وإلا نصطدم مع ترامب، وهذا سيضعفنا، ولنا أن نذكر أننا قمنا بالسور الواقي، قبل ربع قرن، وما زلنا نواجه تحديات في الضفة الغربية. ومع ذلك، هناك مكان أيضًا للتساؤل: هل الصفقة تمت الآن بسبب تهديد ترامب فقط، أم أن هذا الضغط الخارجي أعطى الطرفين سلمًا للنزول عن الشجرة بعد نزيف طويل، ونتنياهو أيضًا كان يبحث عن وسيلة لإقناع حلفائه في اليمين الصهيوني المتشدد بصفقة تخرج إسرائيل من حالة استنزاف، والآن بمقدوره الاختباء خلف “ضغط ترامب” ووعوده بالتعويض في تغيير واقع الضفة الغربية، أو توسيع التطبيع، وضرب إيران، ومحاصرة “محكمة الجنايات الدولية” لإقناعهم؟

ومقابل بيان مكتب نتنياهو، الذي يتهم للمرة الثانية اليوم “حماس” بمحاولة تعطيل الصفقة عبر إدخال أسماء أسرى جدد، ينوه نائب رئيس الموساد السابق، النائب المعارض، رام بن براك، أنه يخشى أن يتهرب نتنياهو من المرحلة الثانية من الصفقة، وتابع محذرًا في حديث إذاعي اليوم: “سيشهد الشارع الإسرائيلي حالة هيجان إذا حاول نتنياهو ذلك. إتمام المرحلة الثانية يقتضي وقف الحرب. نحن في المعارضة سنقدم سلة أمان لنتنياهو إذا احتاج ذلك”.

المصدر : القدس العربي

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.