مدير يتزوّج موظّفات مكتبه الثلاث

بقلم: الإعلامي العميد المتقاعد هاشم المجالي ……….

دعاني بعض الأصدقاء إلى لقاء يُعقد في رحاب ملتقى النخبة، مع رجلٍ جليلٍ، عُرف بالصلاح والحزم، معالي سامي الداود، الذي تقلّد مناصب وزارية في حكومات شتّى، والذي لم تسجل عليه أي ملاحظة سلبية لا من قريب ولا بعيد ولم يعرف عنه إلا الإحترام لنفسه ولوطنه وللشعب الأردني فاستوقفني الأمر، وهاجت في صدري خواطر شتّى، أتساءل فيها عن باعث هذا القبول من رجل مثله، لمنصبٍ ظاهره البِلى والاندثار، إذ ماذا بقي من مؤسسة البريد الأردني في زمنٍ لا يُؤتمن فيه للورق، ولا يُعَوّل فيه على الطرود؟ وقد أضحى العالم أسير البريد الإلكتروني، وركب الناس سُبُل الشركات العالمية التي تطوي المسافات طيًّا.

ومع هذا، يمّمت وجهي شطر اللقاء، وفي القلب نية أن أناقشه بحزم لا يلين، وأصارحه برأيي في هذا المنصب الذي ظننته أشبه بالسراب. ولكن ما إن التقيته، حتى انكشفت أمامي حقيقة لم تكن بالحسبان؛ فقد كان اللقاء حافلاً بالترحاب والكرم، غير أن أعجب ما سمعت هو قصة تلك المؤسسة التي أُثقِلت بالديون حتى أوشكت أن تُقبر حيّة، وإذا بهذا الرجل يُبعث إليها كما يُبعث المرسَل، ليحيي فيها ما مات، ويقيم من حطامها صرحًا يستظل به الوطن.

ولقد علمت أن المؤسسة كانت تُقدّر قيمتها السوقية بمبلغ لا يتجاوز اثنين وعشرين مليون دينار، فما لبث معاليه أن اكتشف فيها من الكنوز والفرص ما جعل قيمتها تتضاعف إلى خمسين مليونًا، ليس لفرط التقدير، بل لما تملكه من أصول وخدمات يمكن إعادة إحيائها إن صدقت العزائم وصفت النيات.

ولكم كان حديثه مدهشًا، حين روى كيف بدأت الديون تتقلص، والخزينة ترفد بملايين، لا من فراغ، بل من إدارة رشيدة، كان يعينها فيها سيدة أردنية تُدعى هنادي الطيب، لا تقل إخلاصًا عن الرجال، بل ربما فاقتهم عزمًا.

أما الطرفة التي لا تُنسى، فهي ما رآه معاليه في أول زيارة له لأحد المكاتب، حين وجد أن مدير المكتب قد جمع بين ثلاث من موظفاته في عصمته، وجعل المكتب حضانةً لأطفاله، وركنًا لعائلته! فأصلح ما فسد، وهدم هذا البناء العجيب.

ومن أعجب ما سمعنا، قصة امرأة وضعت وديعة بثمانين ألف دينار، سرقتها موظفة، فلما قيل لها أن تُقدّم شكوى، رفضت خوفًا من أن يعلم زوجها بما خبأت من مال، فيطلّقها من فوره! يا لها من دروب، تسلكها نساء الزمن خشية الطلاق لا السرقة.

لقد رأيت في هذا اللقاء كيف يكون الإخلاص سبيل النجاح، وكيف يُبدع المرء حين يؤمن برسالته، فكم من مؤسسة أفلست لأن فيها من يُردد شعارات الانتماء والولاء، بينما قلبه عنها معرض، وكم من مؤسسة نَهضت لأن فيها رجلًا يعمل، لا يتكلم.

فطوبى لتلك السواعد الأردنية، التي لا تُغني بالشعارات، بل تعمل في صمت، وتحول الرماد إلى نار من حياة.

قد يعجبك ايضا