بين التجنيس و”وثيقة المواطنة”.. فلسطينيو سوريا أمام استحقاقات قانونية غامضة
شبكة الشرق الأوسط نيوز : رغم غياب أي إعلان رسمي، تتصاعد في الآونة الأخيرة التحذيرات الفلسطينية من سيناريوهات مستقبلية قد تمس الوضع القانوني للاجئين الفلسطينيين في سوريا، خصوصًا مع تكرار الحديث عن “تجنيس” محتمل، على غرار النموذج الأردني الذي أفضى إلى تقليص الخصوصية القانونية للاجئين لصالح اندماجهم الكامل في الدولة المضيفة. وفي المقابل، يُطرح نموذج آخر أكثر تشاؤمًا، يتمثل في الحالة العراقية، حيث جُرّد اللاجئون الفلسطينيون من كافة حقوقهم كلاجئين.
تنبع هذه المخاوف من تحولات إقليمية معقدة ومعطيات سياسية تشير إلى ضغوط أمريكية يُعتقد أنها تُناقش ضمن مسارات تفاوضية مع دمشق، من بينها ملفات تمس شكل الوجود الفلسطيني في البلاد.
ويُستشهد بتحذيرات سابقة أطلقتها حكومة “الإنقاذ” في إدلب (2017 – 2024)، التي يشكل وزرائها ومسؤوليها الركائز الأساسية في البنية السياسية الحالية، حيث صنّفت فلسطينيي سوريا كمهاجرين لا كلاجئين، في خطوة وُصفت بأنها سابقة مقلقة قد يُعاد إنتاجها ضمن سياق أوسع.
في هذا السياق، قال الحقوقي الفلسطيني أيمن أبو هاشم، منسق “تجمع مصير” الداعم للثورة السورية، إن المخاوف من احتمال تجنيس اللاجئين الفلسطينيين في سوريا مشروعة في ظل المعطيات السياسية الراهنة.
وأوضح أبو هاشم أن “التخوّف لا يتعلق بالجنسية في حد ذاتها، بل بالسياق الذي قد تُطرح فيه”. وأضاف: “لو طُرحت مسألة الجنسية في ظروف طبيعية، دون ارتباط بضغوط أو تسويات سياسية، لكانت قابلة للنقاش، بل ومقبولة لدى كثيرين. فالقانون الدولي لا يمنع ازدواج الجنسية، وتجارب الفلسطينيين في أوروبا وأميركا تؤكد أنهم لم يتخلوا عن انتمائهم، رغم حملهم جنسيات تلك الدول”.
وأكد، في حديثه مع “قدس برس”، أن طرح الجنسية يجب أن يكون حقًا فرديًا لا مشروطًا أو مفروضًا، مشددًا على أن “ربط الجنسية بالتنازل عن صفة اللاجئ أو عن الهوية الفلسطينية هو الخطر الحقيقي الذي يجب التنبه له”، مضيفًا أن “الهوية الوطنية لا تُختزل في وثائق، بل تُصان بالوعي وبالحقوق السياسية التي تحمي استمرار التفاعل مع القضية”.
وأشار أبو هاشم إلى أن القانون 260 لعام 1956، الذي ينظم وضع الفلسطينيين في سوريا، لم يُطبّق بشكل كامل، بل شهد قيودًا فرضتها السلطات، لا سيما في مجالي التوظيف والتنقل. ودعا إلى توسيع مظلة هذا القانون ليشمل جميع اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في سوريا منذ نكبة 1948 وحتى اليوم.
كما لم يستبعد أن يُطرح ملف التجنيس لاحقًا ضمن تسويات سياسية أوسع مع الولايات المتحدة، ما يستدعي من الفلسطينيين موقفًا موحدًا واستباقيًا.
من جانبه، أكد الكاتب والباحث الفلسطيني ماهر حجازي أن مسألة الجنسية لا يمكن فصلها عن جنسية الفلسطيني الأصلية وهويته الوطنية، مشيرًا إلى أن “الفلسطيني يحمل بالأساس جنسية وطنية معنوية، وهي الجنسية الفلسطينية، وأي جنسية أخرى قد تُمنح له – مثل الجنسيات الأوروبية – لا تُلغي هذا الانتماء”.
وأوضح حجازي أن “القول بأن الفلسطيني سيتخلى عن قضيته بمجرد حصوله على جنسية دولة مضيفة، هو تصور خاطئ. على العكس، الكثير من الفلسطينيين الذين حصلوا على جنسيات أوروبية هم من بين أكثر الفئات تحركًا ونشاطًا لصالح القضية الفلسطينية، سواء على المستوى الحقوقي أو الإعلامي أو السياسي”.
وشدد على أن “الجنسية قد تكون في بعض السياقات أداة تتيح للفلسطيني حرية حركة ومساحة أكبر للتعبير والعمل السياسي والمدني، دون أن تمس جوهر انتمائه الوطني”، مشيرًا إلى أن المخاوف من التجنيس، عندما لا ترتبط بتنازلات سياسية، لا تعني بالضرورة التخلي عن الهوية.
ورأى أن “قراءة المشهد السياسي بدقة باتت ضرورة، لأن تغيير طبيعة الوجود الفلسطيني قانونيًا قد يُمَرَّر مستقبلًا ضمن سياقات أوسع من مجرد تقليص حركة الفصائل الفلسطينية”.
وأكد حجازي أن “العمل الفلسطيني في سوريا لم يعد عسكريًا كما في مراحل سابقة، بل أصبح عملًا سياسيًا وشعبيًا وخيريًا، يركّز على إعادة إعمار المخيمات، والتواصل مع الجهات الأممية والدولية لضمان حقوق اللاجئين”، متوقعًا أن تسعى الحكومة السورية الجديدة – التي عبّرت عن موقف واضح برفض التطبيع مع الاحتلال – إلى تغيير الوضع القانوني لفلسطينيي سوريا بشكل يقيد نشاطهم السياسي تجاه القضية الفلسطينية.
في السياق ذاته، أوضح الناشط الفلسطيني السوري خالد عطية أن ثمة “فرقًا جوهريًا بين التجنيس في الدول الأوروبية، حيث يحتفظ الفلسطيني بجنسيته الأصلية وصفته كلاجئ، وبين تجنيس قسري محتمل في دول الطوق قد يُستخدم لنزع الهوية السياسية وتصفية صفة اللجوء”.
وأضاف أن “ما يُطرح اليوم ليس مجرد جدل قانوني، بل يأتي في سياق سياسي حساس، وفي ظل تغيّرات إقليمية ودولية تعيد ترتيب الملفات، بما فيها ملف اللاجئين الفلسطينيين”، محذرًا من أن “فقدان صفة اللاجئ ليس تفصيلًا، بل خطوة خطيرة قد تُستخدم لنزع الحق الجماعي في العودة، وتفكيك الرابط القانوني والسياسي مع القضية الفلسطينية”.
وشدد عطية على أن القلق الفلسطيني من هذا الطرح نابع من تجربة مريرة خلال سنوات الأزمة السورية، حين تعرض اللاجئون للحصار والتهجير، وغالبًا ما جرى التعامل معهم كـ”ملف أمني”، لا كقضية وطنية تستحق الحماية.
وختم بقوله: “طرح التجنيس، حتى وإن لم يكن رسميًا بعد، هو ناقوس خطر يستدعي الوعي والتنبه. ما لم نقرأ ما بين السطور اليوم، سنجد أنفسنا نحتج بعد فوات الأوان”.
تجدر الإشارة إلى أن اللاجئين الفلسطينيين في سوريا تمتعوا منذ عام 1956 بإطار قانوني خاص منحهم معظم حقوق المواطنين السوريين دون التجنيس، ما حافظ على توازن دقيق بين الحقوق المدنية والهوية السياسية كلاجئين. إلا أن هذا التوازن بات اليوم مهددًا بفعل الضغوط الإقليمية والدولية المتزايدة.
المصدر : قدس برس؟