60 يومًا من الحصار الإسرائيلي المطبق والمخابز أغلقت… غزة بلا دقيق: تجويع وأسعار خيالية ووجبات لا تسد الرمق
شبكة الشرق الأوسط نيوز : يجوع مليونا فلسطيني في غزة، بعد أن قبضت يد جيش الاحتلال الإسرائيلي على معابرها، جوع يشمل الجميع، مواطنين وصحافيين، وكل من في القطاع.
في البداية، كان حديث جيش الاحتلال أن القطاع به طعام يكفي لخمسين يوما. وحتى تاريخ كتابة التقرير امتد الإغلاق لستين يوما لم يدخل خلالها إلى غزة حفنة دقيق.
تبعا لهذا القرار، بعد شهر من الإغلاق توقفت مخابز القطاع عن العمل، واختفت من الأسواق كافة أنواع اللحوم المجمدة التي كان يسمح بدخولها، واختفت الخضراوات والفواكه المستوردة، ولا يتوفر إلا القليل من الخضار التي يمكن زراعتها في القليل من الأراضي المتشبعة بالبارود في القطاع.
التجويع تفاقم يوما بعد يوم، فعمل برنامج الأغذية العالمي على إنقاذ الأمر من خلال تقديم سلال غذائية للمدنيين مكونة من لتر زيت طهي وخمسين باكيت بسكويت مدعمة بالفيتامينات لسد جوع الأطفال في حالات عدم توفر الخبز، واستمروا بالعمل على توفير تكيات طعام إلى أن أعلنوا بشكل رسمي نفاد كافة المواد الغذائية من مخازن برنامج الأغذية العالمي.
أما على صعيد الأسواق، فزيادة الطلب على المواد التموينية والبقوليات نتيجة زيادة الطلب ونقص العرض أدت إلى ارتفاع الأسعار بشكل مبالغ فيه وأثقلت كاهل المواطنين.
فأصبح ما يتوفر في بيوت معظم الغزيين لا يتجاوز بضع علب الفاصولياء البيضاء المسلوقة، ومعلبات الفول والحمص. أما المطاعم فأغلقت أبوابها.
ومن هو خارج بيته يتضور جوعا نتيجة عدم توفر أي نوع من أنواع الطعام التي يمكن أن يقتات عليها عابر السبيل. هذا التجويع القسري جعل المارة يسيرون هزالا، شاحبة وجوههم، خطواتهم بطيئة.
وتقول رفقة عزيز (39 عاما) لـ«القدس العربي»: «أنا أم لخمسة بنات، بصراحة نقص الطعام متعب نفسيا، بناتي الصغيرات يأتين يردن تناول طعام العشاء، فأحتار في ما أفعل لإسكات جوعهن. أحاول أن أؤمن لبناتي وجبة طعام واحدة، وأحيانا وجبتين، وبالأغلب أعتمد على طعام التكية، ولكن الآن لا يمكنني شراء الدقيق لخبزه لبناتي، فيبقين على وجبة التكية».
وأضافت: «بناتي، بعد أن يتناولن الطعام، يعدن ليشتكين من الجوع مرة ثانية، فالطعام الذي نتناوله لا يشبعهن ولا يقيت بطونهن، فهو طعام غير دسم، عدس مطهو بالماء، أو فاصولياء طُبخت على ماء. هذه الأطعمة لا تعتبر مشبعة خصوصا بعد ساعات الجوع الطويلة».
وذكرت عزيز أن كمية الدقيق التي تسلمتها من برنامج الأغذية العالمي قد نفدت، وتسعى للحصول على كيلو دقيق من بعض المؤسسات إن تمكنت، لكنها لا تستطيع شراء علبة جبنة فيتا لإطعام بناتها نتيجة ارتفاع الأسعار.
كما أنها تحاول توفير صحن سلطة واحد لبناتها مرة واحدة في الأسبوع، وكل ما استطاعت شراءه هو ثلاث حبات طماطم وثلاث خيارات وبصلتان نحو ثلاثين شيكلا (نحو عشرة دولارات)، مشيرة إلى أنها لا تستطيع توفير كوب حليب يومي لبناتها نتيجة ارتفاع سعر كيلو السكر إلى ثمانين شيكلا (نحو خمسة وعشرين دولارا)، مؤكدة أن «نقص الطعام متعب نفسيا، فأنا أنام وأصح وأفكر ماذا أطعم بناتي».
بسطات الخضار في سوق دير البلح وسط قطاع غزة تتوفر عليها بضع أنواع من الخضار، وهي: الطماطم، والبصل، والفلفل الحار، والباذنجان، والكوسا، والملوخية، والخيار. أقل هذه الأصناف سعرا يصل سعر الكيلو منه إلى ثلاثين شيكلا (نحو عشرة دولارات)، وأعلاها سعرا يصل سعر الكيلو إلى نحو ستين شيكلا. أما الليمون والثوم فصنفان مفقودان.
وهذه الأسعار ليست بمتناول الغزيين، فبعد نحو عام ونصف من حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة فقد المدنيون أموالهم في استنزاف النزوح والأسعار المرتفعة وعدم توفر فرص العمل وعدم وجود استقرار.
أمر أثقل كاهلهم بالتنقل والمواصلات المرتفعة الأسعار، ما دفعهم لشراء ما ترتئيه عيونهم، ولكن بنظام الحبة الواحدة (حبة طماطم واحدة وخيارة وبضع من ملح الليمون) ليصنعوا طبق سلطة بجوار طبقهم الرئيسي وهو المجدرة (أكلة شعبية تصنع من العدس والأرز).
ويقول أنور القدر الذي يعمل بائعا على بسطة خضار صغيرة وسط دير البلح لـ«القدس العربي»: «أنا خريج صيدلة، ولكن بسبب الحرب أعمل هنا بالأجرة على بسطة الخضار. بصراحة، جميع الناس يسألون عن الأسعار ولا يشترون، فالأسعار غالية جدا. فلو أن المواطن سيشتري بعض الخضار لصنع صحن سلطة وسيأكل معها دقة ستكلفه ثلاثين شيكلا. هذا صحن السلطة، أما الخبز فكيلو الدقيق اليوم بأربعين شيكلا لا يمكن أن يصنع أكثر من سبعة أرغفة. بالإضافة لموضوع العمولة، فالمواطن يخسر ثلاثين بالمئة من المبالغ المالية التي لديه في البنك نتيجة عدم توفر النقد، وعندما يسحبها يُخصم منها ثلاثون بالمئة لصالح سمسار الكاش، فكيف لمواطن بسيط أن يؤمن لأسرته هذا الطعام الفاره يوميا».
وأشار: «أنا أملّ من كثرة سؤال الناس عن الأسعار دون شراء، وفي الوقت نفسه أعذرهم، فأنا أقيس على نفسي، لا أستطيع أن آخذ الكثير من البسطة لأسرتي المكونة من أحد عشر فردا، وأنا أفعل كما يفعل الكثير من الناس: رغيف خبز مرة باليوم، والمرة الثانية وجبة أرز، والأرز ليس دائما مصاحبا بطبق سلطة أو طعام محضر من الخضار. فأنا آخذ للبيت عينة من الأصناف الضرورية، وكذلك الناس يشترون بالحبة، ونحن لا نخبر المواطنين بالأسعار بنظام الكيلو، نخبرهم أن ربع الكيلو بعشرة شيكل لتهوين الأمر عليهم ولتجنيبهم الصدمة».
وذكر أن مصدر الخضار هو الأراضي الزراعية شرقي قطاع غزة، مستدركا أن الزراعة أصبحت مكلفة على المزارع من ناحية تشغيل المولدات لضخ المياه في الأراضي، وارتفاع أسعار المبيدات الحشرية نتيجة نقص المتوفر، ومن ناحية ارتفاع أجور الأيدي العاملة، وارتفاع أسعار النقل نتيجة منع دخول المحروقات إلى غزة. والأهم هو المخاطرة العالية للمزارع للوصول إلى أراضيه التي تكون في مرمى نيران الاحتلال.
أما الدقيق الذي شح من الأسواق، فأصبح سعر الكيلو منه في سوق دير البلح اليوم بقيمة أربعين شيكلا (نحو ثلاثة عشر دولارا)، ليخبز منه سبعة أرغفة تكفي خمسة أطفال على وجبة الإفطار فقط. وبالتالي توقفت حتى المخابز اليدوية الشعبية التي تصنع الخبز الصاج أو الخبز العراقي. يقول عبد الله فياض، صاحب مخبز يدوي: «أنا كنت أصنع الخبز العراقي وخبز الطابون، توقفت عن العمل بسبب ارتفاع سعر كيس الدقيق الذي وصل إلى ثلاثمئة دولار، فكيف لي أن أبيع رغيف الخبز بدولار؟ هذه الأسعار فلكية لا يمكن لأحد أن يتقبلها».
وأضاف: «أنا صاحب مخبز، ولكن لا يمكنني تأمين الخبز لأطفالي، فلا يوجد لدينا دقيق في البيت. الكميات التي حصلنا عليها نفدت خلال فترة إغلاق المعابر، ولم يكن أمامنا حيلة لتخزينه، فنحن مقبلون على فصل الصيف وسيفسد الدقيق، فكان الأنسب ألا نخزنه، وبالفعل ها نحن الآن أطفالنا يجوعون نتيجة نقص الدقيق».
ويشهد قطاع غزة أزمة إنسانية غير مسبوقة، بعد فرض إسرائيل حصارا خانقا إثر خرقها لاتفاق وقف إطلاق النار مع الفصائل الفلسطينية بتاريخ 18 آذار/مارس 2025، فوصل مخزون الغذاء إلى مستويات حرجة للغاية من الجوع.
وأغلقت إسرائيل معابر قطاع غزة، ومنعت دخول المساعدات بتاريخ 2 آذار/مارس الماضي، قبل أن تبدأ هجوما مفاجئا بتاريخ 18 آذار/مارس أدى إلى استشهاد أكثر من أربعمئة فلسطيني في ليلة واحدة. هذا الإغلاق فاقم معاناة الفلسطينيين، في حين أعلن برنامج الأغذية العالمي أن محتويات مخازنه الغذائية في غزة قد نفدت تماما بعد توزيع آخر كميات الدعم على سبعة وأربعين مطبخا خيريا، مشيرا إلى أن ثمانين بالمئة من سكان غزة يعتمدون على هذه المساعدات.
وقالت وكالة تشغيل وغوث اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) إن نحو ثلاثة آلاف شاحنة محملة بإمدادات منقذة للحياة تنتظر الدخول إلى غزة، لكن الحصار الإسرائيلي يمنع دخولها، مشيرة إلى أن مليون طفل فلسطيني في غزة يعتمدون على المساعدات ودون دخولها تكون حياتهم في خطر.
ومع بداية نيسان/أبريل الماضي، أغلقت المخابز في قطاع غزة أبوابها بعد نفاد كميات الدقيق والوقود التي كان يوفرها برنامج الأغذية العالمي نتيجة إغلاق المعابر والحصار الإسرائيلي الخانق للقطاع.
المصدر : القدس العربي