*فادي السمردلي يكتب:لا لِبوس الأيادي في اختيار القيادات لأنها ضحكٌ على اللحى وقتلٌ للكفاءات*

*بقلم: فادي زواد السمردلي*  ….

 

*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*
☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️

في بيئات العمل على اختلاف أنواعها، يظل اختيار القيادات أمرًا بالغ الأهمية، لأنه يشكّل حجر الأساس في تحديد مسار المؤسسات، ويؤثر بشكل مباشر على مستوى الأداء العام، واتخاذ القرار، وتحقيق الأهداف.ولذا، من البديهي أن تُبنى هذه الاختيارات على معايير دقيقة تستند إلى الكفاءة، والنزاهة، والخبرة، والقدرة على تحمل المسؤولية، إلا أن الواقع احيانا ما يعكس صورة مختلفة ومؤسفة، حيث تُمنح المناصب في بعض الحالات بناءً على المجاملات الشخصية والتودد الزائف، فيما يُعرف مجازًا بـ”بوس الأيادي وضحك على اللحى”.

هذه الظاهرة التي تغزو بعض البيئات العملية لا تمثل خللًا فرديًا عابرًا، بل هي مؤشر على ثقافة متجذرة، تبدأ من لحظة اختزال قيمة الفرد في مدى قربه من صاحب القرار، لا في قدرته على الإنتاج أو التفوق وبدلاً من أن تُمنح المناصب لمن يملك الكفاءة والرؤية، نجدها تُعطى لمن يجيد فنون المديح وتقديم الولاء الظاهري ومع مرور الوقت، تتحول هذه السلوكيات من استثناء إلى قاعدة غير معلنة، تُكرَّس بصمت، وتؤثر بشكل خطير على سلامة المؤسسة واستمراريتها.

حين يُصبح التزلف وسيلة للترقي، يشعر أصحاب الكفاءة بالإقصاء، وتُصاب بيئة العمل بالركود فذلك الموظف المبدع، المجتهد، الذي يرفض اللعب على الحبال، يُستبعد من المشهد تدريجيًا، بينما يُفتح الطريق واسعًا أمام من يختارون النفاق طريقًا والمصلحة الشخصية هدفًا وهذا النوع من المفارقات يُنتج فراغًا قياديًا حقيقيًا، لأن من يعتلي المسؤولية بهذه الأساليب لا يحمل روح القيادة ولا يمتلك أدواتها، بل يسعى للحفاظ على موقعه بأي ثمن، حتى وإن أدى ذلك إلى تعطيل المنظومة بأكملها.

كما أن هذا النوع من القيادات يسعى دومًا لإحاطة نفسه بمن هم على شاكلته، أفراد يجيدون التودد أكثر مما يجيدون العمل، ويتقنون طقوس “الإطراء الإداري” أكثر من إتقانهم لفنون الإدارة وبهذا، تتحول المؤسسة إلى دائرة مغلقة، تُكرّس فيها العلاقات الشخصية محل المعايير المهنية، ويغيب عنها التنوع في الأفكار، والجرأة في المبادرة، والنزاهة في التقييم فتتراجع الكفاءة الجماعية، ويختنق الإبداع، وتظهر على السطح أعراض التدهور التنظيمي والإداري.

تداعيات هذه الثقافة تتجاوز حدود المؤسسة الواحدة، لتنعكس على البيئة العامة للعمل، وعلى نظرة الناس إلى مفاهيم الاستحقاق والتفوق. فعندما يرى المجتمع أن النجاح لا يرتبط بالجدارة، بل بالولاء والتملق، فإن ذلك يزرع الإحباط في نفوس الأجيال الجديدة، ويُضعف الثقة في أن الطريق إلى النجاح يمر عبر الاجتهاد والمثابرة. إنها رسالة خطيرة، مفادها أن الصدق والمهنية لا يكفيان، بل قد يكونان عبئًا على صاحبهما في ظل ثقافة تُكافئ المجاملين وتُقصي المبدعين.

ولذلك، فإن مسؤولية التصحيح تقع على عاتق من يمتلكون قرار التعيين والترقية، أولئك الذين ينبغي أن يميزوا بين من يسعى لبناء المؤسسة، ومن يسعى لبناء موقعه داخلها. عليهم أن يدركوا أن القيادة مسؤولية أخلاقية ومهنية قبل أن تكون منصبًا أو سلطة. وأن الكفاءة ليست فقط في ما يُقال داخل الاجتماعات، بل في القدرة على الإنجاز، وتحقيق النتائج، وبناء الثقة مع الفريق، واتخاذ قرارات شجاعة مبنية على مصلحة العمل لا على رضى الأشخاص.

إن إصلاح هذه الظاهرة لا يتطلب فقط مراجعة المعايير الإدارية، بل يتطلب كذلك شجاعة في مواجهة ثقافة مجاملة مُترسخة، واستعدادًا لدفع ثمن التغيير الحقيقي. فالمؤسسات التي تُبنى على الجدارة، هي وحدها التي تصمد أمام التحديات، وتنجح في جذب أفضل الكفاءات، وتتحول إلى بيئات ملهمة تُحفّز على العطاء والإبداع. أما تلك التي تُدار وفق منطق التودد والاعتبارات الشخصية، فمصيرها التآكل الداخلي ثم الفشل، مهما كانت الموارد التي تملكها أو الاسم الذي تحمله.

وختامًا، فإننا نرفع صوتنا عاليًا لنقول لا لـ”بوس الأيادي وضحك على اللحى” كمعايير لاختيار القيادات، ونعم لثقافة قائمة على الاستحقاق، والعدالة، والكفاءة. نحن بحاجة إلى إعادة الاعتبار للمبادئ، وإلى بيئات عمل تحترم الإنسان لعمله لا لعلاقاته، ولإنجازه لا لمجاملته. فقط حين نرفض هذه الأساليب، يمكننا أن نؤسس لمستقبل مهني نزيه، ومؤسسات جديرة بالثقة والاحترام.

قد يعجبك ايضا