مصيبتنا بتاريخنا المُزيف… المجازر بين الطوائف والمذاهب خير دليل
محي الدين غنيم ….
في قلب التاريخ العربي والإسلامي، تتجلى المأساة الكبرى لا في ما خسرناه من أرض أو سلطان، بل في ما فقدناه من قيم وتماسك ووحدة. تلك المصيبة العظمى تكمن في التاريخ العربي والإسلامي المُزيف، الذي كُتب في أغلبه بأقلام السلاطين، وشُيِّد على أساس من التبرير والتقديس الأعمى، لا على النقد والمراجعة والبحث عن الحقيقة.
لقد بُنيت الكثير من صفحات التاريخ العربي والإسلامي على أساطير البطولة الزائفة، والتبرير للدماء المهدورة، والسكوت عن المجازر التي ارتُكبت باسم الدين والمذهب والطائفة. فبدلاً من أن يكون الدين جامعًا موحدًا، استُخدم كوسيلة للفرقة والإقصاء والقتل، حتى صار السيف هو الحَكَم، لا القرآن ولا السنة.
منذ الفتنة الكبرى، مرورًا بمذبحة كربلاء، ووصولًا إلى الاقتتال بين العباسيين والأمويين، ثم بين الشيعة والسنة، والإباضية، والعلويين، والصوفيين والسلفيين، لم يتوقف سفك الدماء باسم الدين. ولم تكن تلك المجازر مجرد حوادث عابرة، بل أصبحت جزءًا من السردية السياسية التي استُخدمت لتثبيت حكم، أو إسقاط معارض، أو تشويه مذهب.
والمأساة الأكبر أن التاريخ الذي يُدرس لأبنائنا اليوم لا يروي الحقائق كما هي، بل يُلمّع القتلة، ويمنحهم صفات كاذية وكأنهم الأبطال عبر هذا التاريخ المزيف ،ويجعل من ضحاياهم “خارجين عن الجماعة” أو “روافض” أو “زنادقة”، لتبرير قتلهم واضطهادهم.
تاريخنا المليء بالمجازر لم يُكتب بنزاهة، ولم يُعرض بجرأة، ولهذا لا تزال الفتن تعود كلما استُدعي الماضي. الصراع بين الطوائف والمذاهب اليوم هو مجرد إعادة إنتاج لمآسي الأمس، تغذيه نفس الروايات الملفقة التي تُدرّس على أنها من المسلّمات.
إن الحل يبدأ من الاعتراف: تاريخنا ليس مقدسًا، بل هو بحاجة ماسة إلى النقد والتحقيق. نحن بحاجة إلى أن نفرّق بين الدين الإلهي الذي يدعو للرحمة والعدل، والتاريخ البشري الذي يشهد على نزاعات دامية باسم ذلك الدين. فقط حين نُصحّح التاريخ، ونتوقف عن تمجيد القتلة، يمكن أن نبدأ ببناء مستقبل خالٍ من الفتن الطائفية والمذهبية.
إن استمرارنا في التغني بتاريخ مزيف لن يقودنا إلا إلى مزيد من الكراهية والتعصب، أما المواجهة الصادقة مع الماضي، فهي بداية المصالحة الحقيقية بين المسلمين بكل أطيافهم.
الكاتب من الأردن