من أحب الحياة عاش ذليلاً
اسماء الجرادي …
قالها الإمام زيد بن علي عليه السلام قبل أكثر من ألف وثلاثمئة سنة: من أحب الحياة عاش ذليلاً ، وأضاف مؤكدًا: ما كره قوماً حر السيوف إلا ذلّوا. ولعل هذه الكلمات كانت تشخيصًا دقيقًا لواقعٍ نعيشه اليوم؛ واقعٍ انكشفت فيه الأمة الإسلامية بالكامل أمام عدوانٍ عالمي لا يرحم، .لا يعبأ بالأخلاق ولا بالقوانين، بل لا يرى المسلمين إلا عبيدًا للحياة، لا أصحاب كرامة.
اليوم، ومع تضاعف اعداد المسلمين ليفوق مليارين مسلم، الا اننا نجدهم لا يساوون في ميزان القوى العالمية عشرات الآلاف من الصهاينة المحتلين. ملياران من البشر، أحبّوا الحياة فذلّوا، خافوا المواجهة فاستُبيحت أرضهم ودماؤهم، حتى أصبح المسلم في هذا العالم بلا حقوق، بينما تُقام القوانين وتنفذ لأجل حقوق الحيوانات في دول الغرب الكافرة. هذا يحدث لأننا تخلّينا عن الجهاد، وسلّمنا سلاحنا، ووهبنا العدو فرصة أن ينتهكنا بكل ما نملك.
هذا العالم قبيح، مظلم، متوحش، لا يتحرك إلا إذا أُجبرته المقاومة على ذلك. فإن كنت ضعيفًا، فإنهم يتركونك تنزف، تُذبح، تُسلخ، تُجوّع، دون أن يتحرك احد او يتفوه بكلمة. هم يرون ولا يهتمون، يراقبون الجرائم وكأنها تقع في كوكبٍ آخر، لا صلة لهم به. وكلما ضعفت أكثر، تقوّت الضربات عليك، واستفحل العدوان من كل اتجاه. وإذا طلبت السلام من موضع ضعف، فاعلم أن عدوك لن يمنحك الراحة، بل سيتخذ ذلك فرصةً ليذلّك أكثر، يسيطر عليك ويُهينك، ويميتك ببطء، فتغدو ضعيفًا مهانًا حتى الرمق الأخير.
فيما الصورة تنقلب تمامًا إن قاومت، وإن تمسّكت بحقك، واستعنت بالله، وانطلقت بقوة، مهما كانت أدواتك بسيطة بندقية، حجرة، سكين، أو حتى صوتٌ غاضب. هنا يبدأ تأثيرك الحقيقي، فتضعف العدو وتُربكه وتخفف غطرسته و غروره، وتصيبه بالخوف والذعر وعدم الامان . حينها يبدأ العالم بالتدخل، لكنه لا يتدخّل لأجلك، بل لإنقاذ المعتدي من انهياره! يبدأ برسم الخطط والمؤمرات، وتجييش التحالفات لإنقاذ الوحوش من هزيمتهم من عدد من الابطال المؤمنين المجاهدين المستبسلين. حينها ستواجه وحشية مضاعفة، وحربًا من كل جانب، لكن المواجهة هي الحل الوحيد، مهما بلغت التضحيات. لأننا إن استُشهدنا مقاومين، فقد استُشهدنا بكرامة، ورفعنا الرؤوس، وألحقنا بالعدو خسائر في النفوس، و المعدات، وفي المعنويات، وقد تكون احدى ضرباتنا بقوة الله ضربة قاتله فتقتله ، او تكون سبب في زواله او في هزيمته وانكساره.
أما من يُسلّم دون مقاومة، فهو يُذبح بلا كرامة، بلا أثر، بلا ألم للعدو. وهذا ما نشاهده اليوم في المجازر الجماعية ضد من يطلبون المساعدات، حيث يُفاجَأون برصاص الغدر وهم ينتظرون طعامًا يسد رمق أطفالهم. او حينما يتم اسر عدد كبير من المواطنين في اماكن النزوح فيتم تعذيبهم وخلع ملابسهم واهانتهم حتى في الاخير يقتلونهم وهكذا تموت الأمم، بصمت، دون أي ردة فعل وينتهي الوطن وتنتهي القضية.
لأن من الخطأ أن نطلب العيش على حساب الكرامة، نُسلّم، نُساوم، وننسى أن الوحوش لا تُطعم ولا ترحم. فإما أن نواجههم، ونقتلهم او نُضعفهم، ونحفظ أنفسنا بفضل الله، أو نستسلم، فلا نؤذيهم، فيقتلونا براحة بال، أو نستشهد مقاومين شجعانًا، ومقامنا عند الله عظيم، .
هذا الواقع القائم، تتغاضى عنه الأنظمة والعملاء والمنافقون، فبعد كل ما يجري نجد منهم من يُطالب المقاومين بتسليم سلاحهم، سواء في فلسطين أو لبنان، دون أن يسأل نفسه عن المصير بعد نزع هذا السلاح. أي مصيرٍ ينتظر شعبًا مجردًا من القوة، غير الذبح، التشريح أحياء، أو الموت جوعًا؟ وأي وطنٍ يُسلّم للعدو، ويبقى مستقلًا؟ بل انه يتحوّل إلى ساحةٍ للذل الجماعي، ويُستباح من جميع الجهات.
ولنا في اليمن دروس حيّة. حين هجم علينا العالم كله تحت ما يُسمى “التحالف العربي”، أرادوا إنهاءنا، دفننا تحت الركام، لكننا قاومنا، صمدنا، تحملنا الأوجاع، فكنّا أقوى مما تصوروا. حتى اصبح تأثيرنا على العدو يفوق تأثيره علينا. لقد استسلم بعد أن جرّب كل الوسائل الاجرامية بحقنا واصبحت الضربات ترتد عليه. ولو كنا انهزمنا، لنهب أراضينا، وانتهك أعراضنا، وقتل وشرد، كما حدث بالفعل في مدينة تعز و مناطق الجنوب المحتلة، حيث الذل هو السائد، والكرامة مدفونة تحت قدم الاحتلال ، لكننا نحن واجهنا كل التحالفات، والتضليل العالمي، لأننا عرفنا أن طريق النصر لا يُفرش بالورود، بل بالدماء والصبر والإيمان. فكل هجمةٍ زادتنا صلابة، وكل حصارٍ فجّر فينا طاقة وارادة صلبة لا تنكسر. واجهنا هجمات عدة من قوى الاستكبار العالمي من امريكا وبريطانيا واسرائيل، وحتى اليوم واليمن يتعرض للهجمة الصهيونية الثانية عشرة على اليمن فقط لأننا نُساند غزة، ولكننا لا نخاف، بل نواجه ونُحارب ونصعد اكثر.
وهنا الرسالة الأخيرة التي يجب أن تصل إلى الشعوب الإسلامية، بل لكل أحرار العالم: تحركوا. ولا تنتظروا. أشعلوا الأرض على كل عميل للصهاينة. اخرجوا، خططوا ،واصرخوا ، وهاجموا، ولو بأضعف الإيمان، أرسلوا الخبز لأهل غزة. عامان من المجازر لم تحرّككم… إلى متى؟ لو صنع كل فرد طائرة مسيّرة تحمل خبزة واحدة، لأحدثنا نصرًا نفسيًا ومعنويًا يُرعب الأعداء ، او حتى لو صرخكم صرخات غاضبة لصنعتم نصرا للانسانية. لكنكم مستعمرون في الأفكار، وفي الإرادة، والوقت قد حان لتحرير العقول.
أنتم لستم عاجزين. أنتم تُعجزون أنفسكم. وإن لم تتحركوا الآن، سينزل عليكم بطش الله، وإن بطشه شديد. ولا تبكوا يوم يُطالكم، لأنكم صمتّم حين طُلب منكم الوقوف مع اخوانكم المظلومين.قال تعالى( فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ ) إن من يموت مقاومًا، يرتفع شانه في الدنيا والاخرة، ومن يموت خاضعًا، يُمحى ويكون قد خسر دنياه واخرته وهذا وعد الله.
الكاتبة من اليمن