الأردن سند غزة وضمير الأمة

ايمان عبدالله شاهين …..

 

في زمن تكشفت فيه الوجوه، وسقطت فيه الأقنعة، وتهاوت فيه الشعارات، وقف الأردن كالنصل في زمن الخنوع، ناصعًا كفجر الحق، شامخا كجبال الشرف
وقف ملكه، وجيشه، وشعبه وقفة عز تأبى الانحناء، تسجلها كتب التاريخ لا كحادثة عابرة، بل كموقف يؤسس لمعنى الكرامة في زمن المحن، لم يكن الأردن يوما دولة بيانات ولا تصريحات موسمية، بل كان دائما دولة أفعال حين تخرس الألسنة، وكان دائما في خندق الأمة حين تتعدد الخنادق ويتشابه الحلفاء والخصوم

منذ اللحظة الأولى لذلك العدوان الإسرائيلي الهمجي الغاشم على قطاع غزة، لم يقف الأردن على الرصيف متفرجا، ولم يلوح بشعار التضامن الأجوف، بل نزل إلى الميدان كما عهدناه، نزل بحكمة القيادة الهاشمية، ونخوة الجيش العربي المصطفوي، والتفاف الشعب الحر الأصيل، تحركت الدولة بكل مكوناتها، بمنطق المسؤولية التاريخية، تحرك الملك عبدالله الثاني، القائد الأعلى للقوات المسلحة، بخطابه وموقفه ومكانته الدولية، ليؤكد للعالم أن غزة ليست وحدها، وأن فلسطين ليست وحدها، وأن القدس ليست ورقة على طاولة مفاوضات بل عهد في قلب كل أردني حر

انطلقت الطائرات المحملة بالدواء والرجاء، ومعها أُرسلت الرسائل التي لا تُقرأ بالحبر بل بالدم، أقيمت المستشفيات الميدانية في قلب النار، وفاء للرسالة، وأرسل الجيش أطباءه ومسعفيه، ونقل جرحى غزة إلى مستشفيات القوات المسلحة الأردنية حيث تُداوى الجراح بحنو المروءة، وتُحتضن آلآم الأطفال كما تحتضن الأم طفلها حين تبكي الأرض كلها من حوله، لم يكن الدعم زينة إعلامية، بل كان نداء واجب، فكان الأردن سباقا في فتح الجسور الجوية والبرية ، ومد قوافل الشاحنات التي عبرت الحدود تحمل الغذاء والماء والدثار، وتحمل معها روح الأردنيين، وحبهم، وكبرياءهم النقي

هذا هو الأردن، دولة لا تقاس بثرواتها الطبيعية، بل برجالها الذين لا يخذلون، وبمواقفها التي لا تساوم، غني بكرامته، ثري بشرفه، نقي بمبادئه، لم يتردد لحظة، ولم يختبئ خلف الدبلوماسية الباردة، بل تقدم الصفوف في وقت عز فيه المتقدمون، وظل صوته وموقفه في كل محفل وميدان هو الأعلى والأوضح والأصدق، وفي الحرب الأخيرة، حين ارتفعت ألسنة التخوين وصمتت العواصم، كان الأردن الدولة الأولى في الدعم الإنساني والميداني، بشهادة الأصدقاء والخصوم، وكان حضوره على الأرض أقوى من عشرات الجيوش المجتمعة في مؤتمرات التصريحات الفارغة

لم تكن تلك المواقف صنيعة أجهزة، بل صناعة ضمير، لم تأت بقرار فوقي، بل بنبض شعب وقيادة اتحدت على مبدأ أن فلسطين ليست خريطة، بل دم يسري في الشرايين، لم ينقل الأردن المصابين فقط، بل نقل معهم رسالة الأمة، أن فلسطين ليست وحدها، وأن من يملك الإرادة يملك القرار، وأن الحق لا يموت ما دام خلفه رجال، وأن الأردني إذا قال فعل، وإذا وعد أوفى

أقولها باسم كل حر عربي، باسم كل من بقي على العهد ولم يبع القضية في أسواق المصالح، تحية لملك يمضي على خطى الحسين وأسلافه الأطهار، تحية لجيش عربي ما خان العهد ولا تراجع عن المبدأ، تحية لشعب حمل قلب الأمة حين سقطت القلوب، وأغاثها حين شح الغيث، وداوى جراحها حين تآمر الآخرون على آلامها

سيكتب التاريخ، لا بل قد كتب، أن الأردن لم يقف مع غزة فحسب، بل كان معها، وكان فيها، وكان لها، وكان دوما السند الصادق في زمن الزيف، وكان النخوة حين غابت، وكان الكلمة حين سكتت الألسن، وكان الوطن حين تكسرت الأوطان على حدود العجز والتخاذل .

الكاتبة من الأردن

قد يعجبك ايضا