اللغة … السلطة الخامسة !!!
المهندس هاشم نايل المجالي ….
لقد أصبحت اللغة الخطابية السياسية والاجتماعية والثقافية ظاهرة حية تتجدد وتتطور لتواكب المتغيرات والتحولات الحاصلة في شتى الحقول السياسية والاجتماعية والإعلامية وغيرها، فلم يعد بمقدور الإنسان حصر هذا السيل من الخطابات التي يتلقاها عبر العديد من الوسائل الإعلامية، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، وفهم معناها وفحواها. فلغة رجل السياسة تختلف عن لغة رجل الدين أو الاقتصاد، وغيرها، فاللغة تتنوع بتنوع الخطاب والهدف منه، ويتخلله لغة الإيماء، ولغة الجسد، ولغة اللفظ، والنبرة الصوتية.
فلقد أصبحت تقنية حجاجية يتسلح بها السياسي وغيره، فكل خطاب يحمل رسالة معينة تُرسل إلى المتلقي بقصد إقناعه وتغيير مفاهيمه، ولقد أصبحت اللغة بديلاً لأشياء كثيرة، أهمها العنف، والإقناع بقبول قرار معين بحجة الإقناع. لذلك، الرهان على السياسي والمثقف بأسلوبه الخطابي في سياق التواصل مع المتلقي أيًّا كان، وقد يستعين رجال السياسة بخبراء ومختصين لصياغة خطبهم التي يريدون أن يلقوها، للسيطرة أيضاً على عواطفهم، مما يؤدي إلى التصفيق والهتاف، فتأثر المشاعر لا يقل أهمية عن تأثير العقول.
فاختيار الكلمات لها مكانتها ووقعها وتأثيرها على سامعها، لذلك يتم مطاوعة اللغة لتخدم المصلحة، وكثير من الخطب تهدف إلى المراوغة والتحايل لتغيير المفاهيم والأفكار وتغيير المواقف. فاللغة سحر خاص بها، وسلطة على العقل، فكثير من يعتبرونها من أهم أدوات الممارسة في التأثير في الناس لتغيير مسار قضية ما، وأن تحكم قبضتها على العقل الجمعي.
ولقد استخدمت مثلاً في شتى أنواع الديمقراطية، أو المساواة، أو العدل، أو الحرية، وغيرها، فاللغة يمكن اعتبارها سلطة في ذاتها، واللغة أداة حاسمة في الخطب السياسية، حيث ألفاظها القوية التي قد تُستعمل، حيث يتم استمالة الجماهير بطريقة مقنعة، وتُشعرهم بالانتماء إلى اتجاه معين، أو التصويت على قرار، وهي وسيلة لتحقيق أهداف نبيلة أو شريرة، فهي تحقق الغاية المطلوبة: الإقناع أو التضليل.
ويحتاج ملقي الخطبة إلى الثقة في النفس، ومهارات خطابية لإيصال رسائلهم والتأثير على الجمهور، فلا يستطيع الشخص التهرب من مواجهة كثير من المواقف التي تحتاج إلى إلقائه لخطبة ما، خاصة إذا فرضت عليك ظروف العمل ذلك، أو الدراسة، وغيرها. فالإلقاء هو فن استمالة الآخرين، وإيضاح المعاني من خلال النطق، والصوت، والكلمة، ولغة الجسد، بهدف التأثير وتحقيق القبول.
قال تعالى في وصفه النبي صلى الله عليه وسلم ( وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ)، وعن عائشة رضي الله عنها (كان كلام رسول الله كلاماً فصلاً، يفهمه كل من سمعه) ، الكلمة مفتاح رئيسي لكسب القلوب واستمالتها، والصوت هو آلة اللفظ التي يُعبّر الإنسان بها عما في داخله، فاللغة ليست فقط مجرد وسيلة للتعبير عن الأفكار، بل إنها هي نفسها التي تُشكّل تلك الأفكار.
الكاتب من الأردن