فادي السمردلي يكتب:حين تتحكم البلاهة في القرار وصفة أكيدة للانهيار

بقلم فادي زواد السمردلي ….

 

*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*

👈 *المقال يصوّر حالة عامة، وأي تشابه عرضي مع أشخاص أو وقائع حقيقية غير مقصود.*👉

قال إيلبرت هابارد: “العبقرية يمكن أن يكون لها حدود، ولكن البلاهة لا حدود لها”، وهي مقولة تنطوي على بصيرة عميقة في وصف طبيعة العقل البشري وما يمكن أن يُحدثه من أثر إيجابي أو سلبي، خاصة حين يتعلق الأمر بالقيادة وتأثيرها على بيئات العمل فالعبقرية، رغم قدرتها على الإبداع والتحليل العميق، مقيدة بإمكانات الفرد وحدود المعرفة المتاحة وعلى الجانب الآخر، البلاهة تتجاوز كل هذه الحدود، إذ إنها بلا ضوابط أو قيود، وتمتد كالوباء الذي يفسد كل ما يلامسه وعندما تتجسد البلاهة في قادة يتولون مواقع مؤثرة، تصبح النتائج كارثية على الأفراد والمؤسسات على حد سواء.

في بعض بيئات العمل، قد نجد قادة قادرين على تحويل الأفكار إلى واقع، يتسمون برؤية استراتيجية تدفع المؤسسات نحو التطور والاستدامة فهؤلاء القادة، على الرغم من محدودية قدراتهم مقارنة باللامحدودية التي وصفها هابارد، يمتلكون تأثيراً إيجابياً هائلاً وهم القادرون على إلهام الموظفين، واستثمار الموارد بكفاءة، وخلق بيئات عمل مشجعة على الابتكار. ولكن هذه الفئة من القيادات قد تكون استثناء في عالم يميل أحياناً إلى مكافأة الولاء الشخصي أو الانتماء العاطفي بدلاً من الكفاءة، مما يفسح المجال لتسلل البلاهة إلى المناصب القيادية.

البلاهة القيادية لا تُعرف فقط بغياب الكفاءة، بل تتجلى في القرارات العشوائية التي تنقصها الحكمة، والإدارة المرتبكة التي تخلق بيئة عمل غير مستقرة فالقادة البلهاء غالباً ما يرفضون الاستماع إلى الآراء المختلفة، ويحيطون أنفسهم بمن يمدحهم فقط، مما يُعزز حالة من الجمود والتراجع في المؤسسة فقراراتهم التي قد تبدو بسيطة أو غير مدروسة، تنعكس على كل المستويات، فتؤدي إلى إحباط الموظفين، وهدر الموارد، وحتى انهيار المشاريع التي تتطلب رؤية واعية وإدارة رشيدة.

الأمر الذي يجعل البلاهة أكثر خطراً هو طبيعتها اللامحدودة فالقائد غير الكفوء لا يقتصر تأثيره السلبي على قرارات معينة، بل يمتد ليشمل مناخ العمل بأكمله فمثل هذا القائد قد يُحبط الموظفين الأكفاء، ويهمش الكفاءات، ويخلق ثقافة عمل قائمة على الخوف أو التبعية، بدلاً من التحفيز والإبداع وحين تكون البلاهة متغلغلة في مستويات القيادة العليا، فإن المؤسسة كلها تصبح عرضة للتراجع والجمود، مهما كانت إمكانياتها أو مواردها.

على العكس من ذلك، القادة العباقرة، رغم محدوديتهم، هم من يضعون أساساً لنجاح مؤسساتهم على المدى الطويل فهم يمتلكون نظرة شمولية، وقدرة على قراءة المعطيات، وإلهام فرق العمل لتحقيق الأهداف المشتركة فهؤلاء القادة يدركون أهمية إشراك الموظفين في صنع القرار، وخلق بيئة تشجع على الابتكار والإبداع فالعبقرية القيادية قد تكون نادرة، لكنها القوة الحقيقية التي تُحدث الفارق، مهما بدت الإمكانيات محدودة.

في النهاية، تكمن المعضلة في كيفية إدارة المؤسسات لعمليات اختيار القيادات فإذا كان معيار الاختيار قائماً على الولاء أو العلاقات الشخصية بدلاً من الكفاءة، فإن البلاهة ستستمر في التمدد بلا حدود، مما يعرقل مسار التنمية ويهدر الإمكانيات أما إذا أُعطيت الأولوية للعقول المبدعة والقادرة، فإن العبقرية، مهما كانت محدودة، ستدفع المؤسسات نحو النجاح وتحقيق الأهداف الكبرى إنها دعوة لإعادة النظر في معايير القيادة، ولإدراك أن العبقرية، على محدوديتها، تظل الأمل الحقيقي في مواجهة فوضى البلاهة التي لا تعرف نهاية.

الكاتب من الأردن

قد يعجبك ايضا