فادي السمردلي يكتب: (الزقيطة) مطاردة القرارات في ميادين المنظومات .. الزقيط الفاشل: لعنة المنظومات ومصيدة القرارات

بقلم فادي زواد السمردلي  ….

 

#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال

*👈 المقال يصوّر حالة عامة، وأي تشابه عرضي مع أشخاص أو وقائع حقيقية غير مقصود*👉

لعبة الزقيطة، بتلقائيتها الطفولية وبساطتها الظاهرية، قد تبدو للوهلة الأولى مجرد مرح وركض بلا هدف، لكنها في واقعها استعارة حادة لما يحدث على مستويات أوسع وأكثر تعقيدًا في حياة بعض المنظومات ففي اللعبة، يبدأ أحد الأطفال بالجري محاولًا الهرب من الآخرين، بينما يسعى الآخرون للإمساك به، وتستمر المطاردة حتى يُمسك الزقيط فيتبادل الأدوار وهنا تتبدل الأدوار بسرعة بين الهرب والمطاردة، بين اتخاذ القرار السريع والتكيف مع المتغيرات المفاجئة فيكمن الدرس الصارم في أن من يفشل في معرفة متى يركض، متى يوقف نفسه، أو متى يغير اتجاهه، يصبح زقيطًا ضعيفًا، معرضًا للإمساك والفشل، ويصبح أداؤه عبثيًا بلا فائدة.

وعندما نُسقط هذا المشهد على بعض المنظومات، نرى بوضوح أنها تعيش في أحيان كثيرة نسخة مشوهة من الزقيطة فالجهات المسؤولة عن القرار تركض تحت ضغط الوقت والمعلومات المتضاربة، تحاول الهروب من الأخطاء والمخاطر، لكنها تصطدم بعقبات متشابكة ومعطيات متناقضة وأزمات مفاجئة فتتبدل الأدوار بين النجاح والفشل، بين المبادرة والتردد، ويغدو القرار لحظة مرتبكة تُتخذ إما ببطىء قاتل أو باندفاع غير محسوب فالزقيط الذي لا يستطيع أن يحسم خياره في الوقت المناسب لا يفشل وحده، بل يفشل المنظومة كلها، ويجرها معه إلى هاوية التخبط والعجز.

الزقيط الفاشل داخل أي منظومة ليس مجرد حالة عابرة، بل لعنة تضرب في عمق البنية وتشلّ الحركة وتحول القرارات إلى مطاردات عبثية فالقرارات في حضرته تُولد مشوهة، متأخرة، أو متناقضة، لأن اليد المرتعشة لا يمكن أن تقبض على زمام الأمور وهو إذ يهيمن على مشهد القرار يترك وراءه خرابًا ثقة متآكلة داخل المؤسسة، مبادرات مشلولة، أزمات متراكمة، وقرارات تُصاغ لا لتقود بل لتبرر فالفشل هنا يتحول إلى قدر يومي تتجرعه المنظومة وهي تركض بلا بوصلة، غارقة في صخب الحركة وفراغ المعنى.

الخطر الأكبر الذي يخلّفه هذا الزقيط الفاشل هو أن المنظومة تفقد قدرتها على الإمساك باللحظة المناسبة فالقرار إن لم يُتخذ في وقته يصبح بلا قيمة، تمامًا كاللاعب الذي يركض في الملعب بلا هدف حتى يسقط منهكًا ويُمسك به الآخرون ومن هنا يتحول الفشل من حدث عابر إلى مصير دائم، يطارد المنظومة كل يوم، ويحيلها إلى كيان مرتبك، مشلول أمام اللحظة، فاقد لزمام المبادرة.

الركض بلا تقييم أو التردد المستمر بلا حسم هما الوجهان الثابتان لهذا الفشل فالنجاح في عالم المنظومات لا يصنعه الركض السريع وحده، بل القدرة على الجمع بين الحركة الذكية، والرشاقة الاستراتيجية، وحسن قراءة اللحظة فالخطوة الواعية، سواء كانت تقدمًا أو تراجعًا محسوبًا، هي التي تميّز منظومة قادرة على النجاة من الفشل عن أخرى غارقة فيه أما حين تغيب هذه القدرة، فإن الركض يتحول إلى عبث قاتل، والمطاردة إلى لعبة مدمرة، تنهك المنظومة وتفضح عجزها أمام نفسها وأمام محيطها.

بهذا المعنى تصبح “الزقيطة” أكثر من مجرد لعبة للأطفال ، إنها مرآة قاسية تعكس عقل المنظومة وكفاءة قراراتها وقدرتها على مواجهة الواقع بلا خوف أو تردد فالزقيط الفاشل ليس مجرد لاعب خاسر في ملعب صغير، بل هو تجسيد لمن يهرب من مسؤولياته ويعجز عن القبض على القرار الصائب في اللحظة الحاسمة فالركض بلا وعي ليس حركة، بل استنزاف، والمطاردة بلا هدف ليست سعيًا، بل سقوطًا محتومًا في فخ الفشل والمنظومات التي لا تدرك هذا الدرس تعيش في دائرة مغلقة، تركض كثيرًا وتنجز قليلًا، وتستفيق متأخرة لتجد أن الزمن سبقها والقرار أفلت من يدها.

إنها دعوة صريحة للمنظومات كي تتعلم أن الحركة وحدها لا تكفي، وأن النجاح يحتاج إلى وقفة شجاعة، نظرة واعية، وخطوة محسوبة وحده القرار الصائب في لحظته هو ما يحوّل الركض من عبث إلى استراتيجية، ويُنقذ المنظومة من مصير الزقيط الفاشل الذي يلهث حتى ينهار تحت وطأة مطارديه.

نؤكد بان المقال أعلاه يصور حالة عامة واستعارات مفاهيمية، ولا يقصد أي منظومة أو جهة محددة أو أي شخص بعينه وإن صدف وجود تشابه مع أي واقع، فهو محض صدفة ولا يحمل أي قصد بالإشارة أو التلميح لأي طرف بعينه.

الكاتب من الأردن

قد يعجبك ايضا