تفرد اليمانيين بحب المصطفى صلى الله عليه وآله والاحتفاء بمولده
بقلم: طوفان الجنيد ….
مقدمة:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله الطاهرين، أما بعد:
يمثل الاحتفاء بالمولد النبوي الشريف في اليمن ظاهرة فريدة تجسد عمق الارتباط الروحي والفكري برسول الإسلام، وتُبرز تفرد الشعب اليمني في تعبيره عن الحب والولاء للنبي محمد صلى الله عليه وآله. هذه الظاهرة ليست مجرد احتفالات شعبية عابرة، بل هي امتداد لتاريخ حافل بالنصرة والإيمان، وامتثال لأمر الله والافتداء برسول الرحمة ونوره.
1- الجذور التاريخية لارتباط اليمنيين بالنبي العظيم وخاتم الأنبياء ورحمة الله للعالمين
لليمن واليمنيين مكانة خاصة وعلاقة متبادلة بين النبي الأكرم وبين اليمنيين. هذه العلاقة الحميمة والتاريخية نجدها في العديد من المقالات والأحاديث النبوية التي وصفت اليمنيين بأن “الإيمان يمان والحكمة يمانية”، مما يؤصل لعلاقة خاصة بين اليمن ودين الإسلام.
دور اليمنيين في نصرة الإسلام والرسول الأكرم مشهود له تاريخيًا، وتشير النقوش الأثرية والمصادر التاريخية إلى أن ملوك اليمن القدماء مثل أسعد الكامل بشروا بمجيء النبي محمد صلى الله عليه وآله، وقاموا بتجهيز الكعبة واستعدادات استقباله، مما يؤكد دور اليمنيين التاريخي في نصرة الرسول حتى قبل بعثته.
المشاركة في الفتوحات الإسلامية:
شاركت القبائل اليمنية بشكل كبير في فتح مكة، حيث يشير بعض الباحثين إلى أنهم شكلوا أكثر من 70% من جيش الفتح، مما يدل على دورهم العسكري والديني البارز.
2- مظاهر الاحتفاء بالمولد النبوي في اليمن
يكاد اليمنيون يحتفون بميلاد النور والرحمة في جميع الأوقات والمناسبات الحياتية، وما نراه اليوم من التزيين والزخرفة وتحول المدن اليمنية إلى لوحة خضراء بمناسبة المولد النبوي، حيث تُزيَّن الشوارع والمنازل بالأضواء والأعلام الخضراء، وترتدي النساء والأطفال ملابس خاصة، تعبيرًا عن الفرح والابتهاج، تتويجًا لتلك الاحتفالات.
الفعاليات الجماهيرية:
تقام حشود مليونية في الساحات العامة، مثل “ميدان السبعين” في صنعاء، حيث يخرج الملايين في اليوم الثاني عشر من ربيع الأول بأناشيد وموشحات دينية، وخطابات سياسية ودينية تبرز مكانة النبي.
الفعاليات الثقافية والاجتماعية:
تنظم المحاضرات والندوات في المساجد والمدارس، وأمسيات دينية تتناول سيرة النبي وأخلاقه، بالإضافة إلى توزيع الحلوى والطعام إحياءً لروح العطاء والتكافل.
3- الدلالات الرمزية والروحية للاحتفال
يُعتبر الاحتفال بالمولد النبوي مناسبة لتجديد الولاء والارتباط بالنبي محمد صلى الله عليه وآله، والاستلهام من سيرته في مواجهة التحديات المعاصرة.
مواجهة التيارات المعادية:
يشكل الاحتفال بالمصطفى صلى الله عليه وآله رسالة واضحة للأعداء بأن اليمنيين متمسكون بهويتهم الإسلامية، وأنهم قادرون على مواجهة محاولات طمس هذه الهوية، خاصة من قبل التيارات الوهابية التي تحارب الاحتفاء بالمولد النبوي.
تعزيز الوحدة المجتمعية:
تجسد الفعاليات الجماعية روح الوحدة والتضامن بين أطياف الشعب اليمني، وتذكّرهم بأنهم جزء من أمة واحدة تجمعها قيم النبي ومبادئه.
4- الاحتفال اليمني في السياق الإقليمي والعالمي
يُعرف اليمنيون بالتميز غير المسبوق في الاحتفالات بالمولد النبوي عن العالم الإسلامي، حيث تجتذب حشودهم المليونية انتباه وسائل الإعلام العالمية، وتُلهم شعوبًا أخرى للمحاكاة. كما تثير الاحتفالات اليمنية إعجاب العديد من المراقبين والناشطين في العالم العربي والإسلامي، الذين يشيدون بإيمان اليمنيين وتمسكهم بهويتهم.
الاحتفاء الجماهيري الكبير في ظل الحرب والحصار يقدم أعظم رسالة قوية للعالم بأن اليمنيين لا يستسلمون ولا يهابون المنايا، ولا يفرطون بالعزة التي استلهموها من نبيهم، مستمرون في الجهاد والنضال تحت راية القائد الأول محمد صلى الله عليه وآله.
5- الجدل حول الاحتفال والرد على المنتقدين
الرد على الاتهامات بالبدعية:
يستند الاحتفال في شرعيته إلى القرآن الكريم، وإلى الآية الكريمة: “قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا” [يونس: 58]، معتبرين أن مولد النبي هو أعظم رحمة وفضل من الله على البشرية.
كما يؤكد العلماء والقيادات الدينية في اليمن أن الاحتفال بالمولد النبوي هو تعبير عن التقوى والامتثال لأمر الله بتعظيم شعائره، وليس مجرد عادة اجتماعية.
خاتمة
يظل الاحتفاء بالمولد النبوي الشريف في اليمن ظاهرة تستحق الدراسة والتأمل، فهي تجمع بين العمق التاريخي والأصالة الدينية والقوة المجتمعية. هذا التفرد اليماني ليس فقط تعبيرًا عن حب النبي، بل أيضًا إثبات للهوية والإرادة في وجه محاولات التشويه والإضعاف. ومن خلال هذه الاحتفالات، يؤكد اليمنيون أنهم يحملون إرثًا إيمانيًا ثريًا، وقادرون على نقل هذا الإرث للأجيال القادمة بكل فخر واعتزاز.
وهكذا سيظل ويبقى اليمنيون روادًا في إحياء معاني الولاء والانتماء والحب والتعظيم لخاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وآله، مجسدين لكل معاني القيم والأخلاق والمبادئ العظيمة التي جاء بها الدين القويم والنبي العظيم، أشرف خلق الله أجمعين.
الكاتب من اليمن