كوادر وزارة الصحة… سفراء الرحمة وحماة الحياة

د. هاني العدوان  ….

 

ليست البطولة أن تُمسك سيفا أو تعتلي منصة بل البطولة الحقيقية أن ترتدي ثوب الرحمة وتطوق عنقك بيمين العطاء وتعيش ألم الناس وكأنه ألمك، وجعهم كأنه وجعك، وصرختهم كأنها تنفجر من صدرك، هذا ما رأيته ولمسته وأنا أجر خطواتي المثقلة بالألم حين ساقني القدر إلى مركز صحي الأميرة بسمة في عمان شارع المهاجرين، ذلك الصرح الذي يديره بحكمة واقتدار الدكتور الإنسان صفوان الدبابنة وتزهر في ردهاته قامات طبية وتمريضية وفنية هي عنوان للفخر الوطني

كنت قبل أيام أُصارع ألما قاسيا في ظهري ورجلي، طرقت أبواب عيادات ومستشفيات عديدة ولم أجد سوى مسكنات تُخدر الوجع ولا تعالج الداء، لكن ما إن دخلت مركز الأميرة بسمة حتى انقشعت عني غشاوة الإحباط وحل محلها يقين عميق أن في هذا الوطن من يسهر على حياة الإنسان بضمير حي وعقل طبيب وقلب أم

هناك استقبلني أحد الكوادر النبيلة فهرع إلي ليسندني بساعده قبل أن يسندني بعطفه ثم جاء الطبيب الإنسان الدكتور مروان أبو عنزة، ذلك الوجه الذي يشرق بالبشرى والعقل الذي يتقن فن التشخيص كأنه يقرأ الألم من جذوره، واللسان الذي ينثر كلمات السكينة حتى يذوب الوجع، كان ملاك رحمة يتنقل بين علمه الرفيع وأخلاقه الرفيعة ليجعل من غرفة الفحص واحة أمان ويزرع في نفسي طمأنينة غابت عني طويلا

وما هي إلا لحظات حتى حضر يوسف الكايد فني الأشعة الأنيق، أنيق في حضوره كما هو أنيق في أدائه، خطواته سريعة كمن يسابق الزمن ليخطف المريض من بين أنياب الألم، يحمل ملامح الثقة والدقة، فتشعر أن جهاز الأشعة بين يديه كريشة في يد فنان يرسم بها صورة الداء ليضيء للطبيب درب العلاج، وبجانبه كان أنس الشملتي فني المختبر المحترم، ذلك الشاب الذي يجمع بين هدوء العلماء وأخلاق النبلاء، حين أخذ عينات الدم لمست في تعامله منتهى اللطف والرقي، كأنما يسكب الطمأنينة في عروقي قبل أن يسحب الدم من وريدي، ينجز عمله بدقة متناهية ويعكس بخلقه وابتسامته أسمى معاني إنسانية المهنة

حين اجتمع الطبيب والفنيان حولي لم أرَ أمامي موظفين يؤدون واجبا وظيفيا، بل فرسانا يقاتلون الألم ويحاصرون الوجع وينتزعون الإنسان من براثن المرض، كانوا كمن يضعون أيديهم على الجرح ويضعون قلوبهم في كفوفهم وكأنهم يعيشون ألمي ذاته

يا لها من لحظة صدق شعرت معها أن الوطن بخير وأن حياة المواطن لها قيمة عليا تتربع على هامة أولئك الأطباء والفنيين والإداريين الذين نذروا أعمارهم لخدمة الناس

إنني وأنا أكتب هذه الكلمات أرفع وسام تقدير على صدور جميع كوادر وزارة الصحة في المستشفيات والمراكز المنتشرة على مساحة الوطن، أولئك الجنود المجهولين الذين يعملون في صمت ويزرعون الطمأنينة في صدور الناس بلا منة ولا ضجيج

فكل التحية والتقدير والعرفان للطبيب الإنسان الدكتور صفوان الدبابنة على إدارته الواعية الحكيمة، وللطبيب مروان أبو عنزة ملاك الرحمة وصوت الطمأنينة وضمير المهنة الحي، وللفني يوسف الكايد، أيقونة الدقة وسرعة الإنجاز، وللفني أنس الشملتي رمز الأخلاق الرفيعة، ولكل يد طبية أردنية طاهرة تؤمن أن الطب رسالة قبل أن يكون مهنة وأن الإنسان أغلى ما يملكه الوطن

هؤلاء هم حماة الحياة جنود الرحمة، درع الوطن الأبيض وسفراء الإنسانية الذين يستحقون أن تُرفع لهم القبعات وأن تُكتب أسماؤهم في سجل الشرف الوطني

فليعلم هؤلاء النبلاء أن أياديهم البيضاء قد نقشت أسماءهم في قلبي كما تُنقش الحروف على الصخر وأن ابتساماتهم في لحظة وجعي كانت أغلى من كل دواء، لقد علموني أن الوطن لا يُقاس بترابه فقط، بل يُقاس بإنسانه الذي يحمل هم أخيه ويذوب في خدمة شعبه
فسلام على الطبيب الإنسان وسلام على الفني الأمين وسلام على كل كوادر وزارة الصحة الذين يكتبون يوميا بعرقهم وضميرهم ملحمة الوفاء سيبقى عطاؤكم شاهدا أن الإنسانية بخير، وأن الأردن بخير ما دمتم أنتم حراسه وسفراءه في ميدان الرحمة

الكاتب من الأردن

قد يعجبك ايضا