فادي السمردلي يكتب :العدد الكبير من الاستقالات الحزبية دفعة واحدة قوة للحزب لا ضعف قراءة في معنى الفرز الداخلي
بقلم فادي زواد السمردلي …..
*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*
👈 *المقال يصوّر حالة عامة، وأي تشابه عرضي مع أشخاص أو وقائع حقيقية غير مقصود.*👉
تتردد بين الحين والآخر أخبار عن نية أعداد كبيرة أعضاء بأحزاب ترغب بالاستقالة أو مغادرة مواقعهم التنظيمية، وغالبًا ما تُطرح هذه الأخبار على أنها علامة ضعف أو بداية انهيار داخلي، لكن القراءة المتأنية لهذه الظاهرة تكشف لنا جانبًا آخر قد يكون أكثر عمقًا وإيجابية فخروج أعضاء لا يؤمنون فعلًا بأفكار الحزب ولا يتبنون مبادئه الجوهرية قد لا يشكّل عبئًا عليه، بل على العكس، قد يساهم في تقويته ويمنحه فرصة لإعادة بناء ذاته على أسس أكثر صلابة وانسجامًا فالأحزاب، مثلها مثل أي كيان اجتماعي أو سياسي، تحتاج إلى عملية فرز مستمرة بين من ينتمون إليها عن قناعة فكرية راسخة وبين من انضموا إليها بدوافع مصلحية أو اجتماعية أو حتى شخصية.
لا يمكن إنكار أن بعض الأعضاء الذين يندفعون نحو الأحزاب يفعلون ذلك بدافع إرضاء أطراف معينة أو كسب ود شخصية نافذة، أو ربما سعياً وراء مكانة اجتماعية أو حضور سياسي لا يجدون وسيلة لتحقيقه إلا عبر بوابة الانتماء الحزبي فأحيانًا ينضم البعض لتقوية صلاتهم بأقارب أو أصدقاء في مواقع قيادية، أو لأنهم يطمحون للحصول على فرص وظيفية أو امتيازات مرتبطة بالانتماء التنظيمي وهناك أيضًا من يلتحق بالحزب كنوع من التقليد الاجتماعي أو لمجرد الظهور في صورة الجماعة، دون أن يقرأ برنامج الحزب أو يتبنى مشروعه الفكري فهؤلاء، مهما كثروا، يشكّلون في نهاية المطاف عبئًا على الحزب، لأنهم يدفعونه باستمرار نحو سياسات الإرضاء والترضية، حيث يصبح همّ القيادة الحفاظ على ولاء فئة غير مقتنعة أصلًا، بدل الانشغال بتطوير خطابه السياسي أو تعزيز علاقته بالجمهور.
ولعل التجارب الدولية تعكس بوضوح هذه الحقيقة فقد شهدت بعض الأحزاب في أوروبا وأمريكا اللاتينية موجات استقالات كبيرة بسبب خلافات داخلية أو رفض لسياسات معينة، لكن النتيجة النهائية لم تكن انهيارًا أو زوالًا على العكس، كشفت تلك الأزمات أن من غادروا لم يكونوا جزءًا من البنية الفكرية الصلبة، بل مجرد ظلال لأشخاص أو لمصالح ظرفية ومع خروجهم، تحررت الأحزاب من ضغط الترضيات والتنازلات المستمرة، وأصبحت أكثر قدرة على صياغة برامج واقعية تعكس قناعات من بقي من الأعضاء. وهذا ما يفسر أن بعض الأحزاب بعد الاستقالات لم تضعف، بل استعادت ثقة الشارع وتوسعت قاعدتها الانتخابية، لأنها عادت إلى جوهرها الأصلي بدل التشتت بين مصالح متضاربة.
في السياق العربي، تبدو هذه الظاهرة أوضح، حيث كثيرًا ما تُدار الأحزاب بطريقة ترضي أشخاصًا بعينهم أو تيارات صغيرة على حساب المبادئ العامة وحين ينصرف هؤلاء أو يلوّحون بالاستقالة، يتولد شعور بأن الحزب في مأزق لكن الحقيقة أن إرضاء البعض على حساب المبادئ هو ما يضعف الحزب، أما فقدانهم فقد يكون لحظة ولادة جديدة. إذ أن الحزب لا يُبنى على الكمّ بقدر ما يُبنى على الانسجام الداخلي والإيمان الجماعي بمشروعه وحين يقرر الأعضاء غير المقتنعين المغادرة، يفتح ذلك المجال أمام بروز قيادات شابة أكثر التزامًا، ويسمح للحزب بإعادة هيكلة خطابه بما يتناسب مع قاعدته الشعبية الفعلية لا الافتراضية.
إن مغادرة غير المقتنعين ليست نكسة بقدر ما هي عملية فرز تنظيمي صحية، تتيح للأحزاب أن تعيد اكتشاف ذاتها بعيدًا عن أثقال الترضيات، وتؤكد أن القوة الحقيقية ليست في العدد بل في نوعية الالتزام فالحزب القادر على الصمود ليس ذاك الذي يضم أكبر عدد من الأسماء، بل الذي يملك أقل عدد من المؤمنين المتمسكين بمبادئه ومع كل موجة استقالات، قد يخسر الحزب أصواتًا أو واجهات إعلامية، لكنه في المقابل يربح وضوحًا في المسار، وصلابة في الموقف، وتماسكًا يجعل منه قوة سياسية أكثر صدقًا وفاعلية.
الكاتب من الأردن