اتفاقية ترامب لوقف الحرب في غزة : خنوع واستسلام يهدد القضية الفلسطينية
محي الدين غنيم …..
في لحظةٍ فارقة من تاريخ الصراع العربي الصهيوني، جاءت ما يعرف بإتفاقية ترامب لوقف الحرب في غزة كحل مسموم، يحمل في طياته الكثير من المخاطر على المقاومة الفلسطينية وعلى جوهر القضية برمتها. قد تبدو الاتفاقية في ظاهرها مبادرة لوقف نزيف الدم وإنهاء معاناة المدنيين، لكنها في حقيقتها تحمل إملاءات سياسية تفرغ المقاومة من مضمونها وتفرض على الشعب الفلسطيني معادلة قاسية: الهدوء مقابل الخضوع.
وأبرز سلبيات هذه الاتفاقية أنها تستهدف المقاومة مباشرة. فهي تشترط وقف أي عمل عسكري ضد الاحتلال، مقابل وعود فضفاضة بتسهيلات إنسانية أو اقتصادية. هذه المعادلة لا تعني سوى تجريد المقاومة من سلاحها المعنوي والميداني، وتحويلها إلى قوة صامتة عاجزة عن الدفاع عن شعبها أمام عربدة الاحتلال. وبذلك، تختزل القضية الفلسطينية من قضية تحرر وطني إلى مجرد مشروع تحسين معيشة تحت سيطرة الاحتلال.
إن أي اتفاق يفرض بضغط أمريكي إسرائيلي تحت غطاء السلام أو وقف الحرب، يهدف بالأساس إلى شرعنة بقاء الاحتلال وتوسع الاستيطان. فترامب، منذ بداية ولايته، سعى لتصفية القضية عبر صفقة القرن ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والآن تأتي هذه الاتفاقية كخطوة جديدة في مسار تصفية الحقوق الفلسطينية. فوقف القتال لا يقابله انسحاب إسرائيلي أو اعتراف بالحقوق، بل على العكس: يبقى الاحتلال راسخا وكأن الفلسطينيين قد سلّموا به كأمر واقع.
وتعد الاتفاقية محاولة أخرى لإشعال الانقسام الداخلي بين الفصائل الفلسطينية. فهي تضغط على فصيل بعينه لإلزامه بالهدنة، بينما تهمّش باقي القوى السياسية، مما يخلق بيئة من الصراع الداخلي والتشكيك المتبادل. وهذا ما يسعى إليه الاحتلال منذ عقود: تفكيك الصف الفلسطيني من الداخل، وإشغاله بخلافات جانبية بدل التفرغ لمقاومة العدو.
إن أخطر ما في الاتفاقية أنها تسعى لحصر القضية الفلسطينية داخل حدود غزة فقط، لتُصبح شأنا إنسانيا أو محليا، بينما تمحى مكانتها كقضية تحرر عربية وإسلامية. هذا يعني فصل الشعوب العربية والإسلامية عن دعم المقاومة، وإبقاء الشعب الفلسطيني يواجه مصيره وحده أمام آلة القمع الصهيونية.
ويُراد من هذه الاتفاقية إغراق الفلسطينيين في وهم السلام المؤقت. إذ يُمنح القطاع بعض المساعدات أو تسهيلات، مقابل صمت طويل الأمد. ولكن التجارب السابقة أثبتت أن الاحتلال يستغل هذه الهدن فقط لإعادة ترتيب صفوفه والتوسع في الاستيطان وتهويد القدس، ثم يعود أكثر شراسة، في وقت تكون فيه المقاومة قد قُيّدت سياسياً وشعبياً.
إن اتفاقية ترامب لوقف الحرب في غزة ليست حلاً بل فخّاً سياسياً يهدف إلى تصفية جوهر القضية الفلسطينية وتجريد المقاومة من سلاحها الشرعي. إنها خطوة جديدة نحو فرض الاستسلام تحت مسمى السلام، بينما تبقى فلسطين أرضاً محتلة وشعبها تحت القهر.
والمطلوب اليوم من الفصائل والشعب الفلسطيني وكل القوى العربية والإسلامية أن يدركوا أن هذه الاتفاقية ليست إلا حلقة في مسلسل الخنوع، وأن التمسك بخيار المقاومة والوحدة الوطنية هو السبيل الوحيد لحماية القضية من التصفية والانهيار.
الكاتب من الأردن