فادي السمردلي يكتب: مبادرات وأفكار تُهمَّش على أنغام أغنية يا ناكر المعروف

بقلم فادي زواد السمردلي  …

*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_أقوال

👈 *المقال يصوّر حالة عامة، وأي تشابه عرضي مع أشخاص أو وقائع حقيقية غير مقصود.*👉*

 

حين تسمع أغنية يا ناكر المعروف لا تراها مجرد لحن حزين أو عتاب عابر، بل تصفعك كأنها مرآة تكشف قبح أولئك الذين يتغذون على جهد غيرهم، ينهشون من تعب وأفكار ودراسات الغير، ثم يرمونهم في الظل وكأنهم لم يكونوا إنها صرخة ضد كل من يتظاهر بخدمة المصلحة العامة وهو في العمق ذئب جائع لا يرى إلا مصلحته الخاصة.

فهؤلاء الذين تفتح لهم العقول، وتمد لهم الايادي، ويمنحوا كل ما يمكن أن يبني مجتمعًا، يحوّلونه إلى سلّم شخصي يصعدون به نحو مجد زائف فكم من فكرة خُلقت بنية أن تكون نافذة خير للجميع، فإذا بها تُختطف وتُحشر في جيب ضيق لفلان وعلان! وكم من دراسة كُتبت لتكون منارة طريق، فإذا بها تتحول إلى ورقة رابحة في صفقات فهؤلاء هم ناكرو المعروف، هم رمز الاستغلال بثوب أنيق، هم الوباء الذي يسرق النور ليبقى الآخرون في العتمة وحين تنشد الأغنية بوجعها “يا ناكر المعروف”، فهي لا تخاطب شخصًا بعينه، بل تطعن كل من يتلذذ بالسرقة الناعمة تحت شعار خدمة المصلحة العامة إنهم الطفيليات التي تتغذى على عرق الآخرين، وحين تُحاكمهم الحقيقة، لن يبقى لهم سوى عار لا يغسله التاريخ ولا يرحمه الوجدان.

لكن الفاجعة الكبرى ليست في وجود مثل هؤلاء فقط، بل في مشهدهم الفجّ وهم يرقصون على أنغام أغنية يا ناكر المعروف وكأنها موسيقى احتفال بانتصارهم المؤقت فتراهم يتزينون بمبادرات لم يصنعوها، يرفعون شعارات لم يخطّوها، ويتفاخرون بإنجازات لم يعرفوا لها يومًا معنى فكم من مبادرة وُلدت بروح صافية لتخدم الناس جميعًا، فإذا بها تُهمَّش عمدًا، وتُغتال في مهدها، أو تُنسب إلى من لا يملك فيها إلا بريق وجهه أمام الكاميرات وكأنما كل ما يهمهم هو التقاط صورة بجوار لافتة تحمل اسم المبادرة، ثم تركها للغبار لتأكلها الرفوف الباردة.

تلك الدراسات التي سهر لها المنتمون للوطن الليالي من أجلها، وكتبت بعرق العقول الصادقة، تتحول فجأة إلى أوراق منسية في الأدراج، لأن أصحاب القرار يرون أن بريقها لا يلمع إلا إذا صبغوه بأسمائهم وبدلاً من أن تكون هذه الدراسات مفاتيح حلول حقيقية، تصير مجرد ملفات تنتظر لحظة استغلالها في مشهد استعراضي يخدم مصالح ضيقة وأما الأفكار التطويرية التي يُفترض أن تكون محركات المستقبل، فهي تُحارب بشراسة، لا لعيب فيها، بل لأنها جاءت من عقول حرة لا تعرف الانحناء ولا تقبل الخضوع فيختنق المبدع والمفكر في زحمة التهميش، ويُحاصر بصمت، أو إن تجرأ على رفع صوته، تُكال له التهم، ويُصوَّر وكأنه دخيل أو مثير للفتنة.

الأصوات الحرة، تلك التي تحمل الفكر النقي وتدافع عن المصلحة العامة بصلابة، تصبح العدو الأول في عيون المنتفعين فإن لم يستطيعوا استقطابها أو شراؤها، حاولوا تشويهها بكل الطرق فيزرعون حولها الشكوك، يضربون سمعتها، ويحرصون على إقصائها من كل منبر وكأن الحقيقة بالنسبة لهم مرض يجب عزله، لا دواء يجب تعميمه إنها حرب قذرة تُشنّ على كل عقل لا يقبل أن يُختزل في خانة المطيع.

الرقص على أنغام يا ناكر المعروف لا يقتصر على شخص أو مؤسسة بعينها، بل هو مشهد يتكرر في مجتمعات كثيرة، حيث يُسوَّق الوهم على أنه إنجاز، ويُدفن الصدق في مقابر الصمت فهناك من يعيش ليجعل من أفكار الآخرين وقودًا لرحلته الخاصة، لا يهمه أن يحترق أصحابها طالما هو يضيء لنفسه فهؤلاء لا يختلفون عن اللصوص، إلا أن سرقتهم ليست من الجيوب بل من العقول والضمائر.

والنتيجة أن المجتمع كله يدفع الثمن فحين تختفي المبادرات النزيهة، حين تُدفن الدراسات في الأدراج، حين تُحارب الأفكار التطويرية، وحين تُشوَّه الأصوات الحرة، يترسخ الفساد ويتراجع الأمل، ويغدو الواقع ساحة صراع بين نكران المعروف وبين من يحاول جاهدًا أن يبقى وفيًّا للحق ومع ذلك، تبقى الأغنية نفسها شاهدًا أبديًا، سيفًا من كلمات يجلد هؤلاء الناكرين بلا رحمة، ويذكّرنا أن المعروف لا يموت، حتى وإن رقص حوله المستغلون بوجه مزيف.

الكاتب من الأردن

قد يعجبك ايضا