الحرية أولًا.. صمام الأمان لمستقبل الأجيال

فراس عوض  ….
عضو المجلس المركزي-حزب العمال الاردني
كان العالم، قبل أعوامٍ قليلة، يتعامل مع الديمقراطية كما لو كانت شجرةً صاعدة إلى السماء، لا عاصف يقتلعها ولا جفاف يهددها. لكن الرياح كشفت هشاشتها، فانحنت الأغصان، وتكشّف أن الحرية التي ظنناها راسخة بدأت تنحسر بصمت. الأرقام تتحدث: أكثر من ثلثي سكان الأرض يعيشون اليوم في أنظمة سلطوية أو هجينة، والديمقراطيات الكاملة لم تعد سوى استثناء نادر. حتى المؤسسات التي وُلدت لحماية الحرية وجدت نفسها تبرر تقليصها باسم “الأمن” و”الظروف الاستثنائية”، حتى صار المؤقت دائمًا، وصار الخوف نظام حكم.
ومع ذلك، لا يزال في قلب هذا العالم نبض لا يخمد.. الحرية. فهي البذرة التي لا تموت مهما توالت المواسم عليها. تُدفن أحيانًا تحت الركام، لكنها تعرف طريقها إلى الضوء. فالإصلاح الحق لا يبدأ من خزائن المال ولا من قصور السياسة، بل من مساحة الوعي في روح الإنسان، من تلك الإرادة التي ترفض أن تُكمم. الاقتصاد يختنق إن حُوصرت الأفكار، والسياسة تشيخ إن غاب عنها النقد، والتعليم يفقد معناه إن لم يتنفس هواء السؤال. الحرية ليست زينة للمواسم المستقرة، بل شرط الحياة ذاته؛ الأوكسجين الذي إن غاب، اختنقت الأوطان في صمتها.
وفي الأردن، حيث يضيق العيش بالشباب وتثقل الأيام بالانتظار، تبدو التجربة المغربية أمامنا مرآةً صادقة. جيلٌ ضاقت عليه السبل حتى انفجر فجأة بلا بوصلة، لأن الصوت حين يُمنع من الخروج، يخرج في شكل صراخ. الكبت لا يتلاشى، بل يتخثّر في الأعماق حتى يتحول إلى بركان…
لهذا، فإن الأولوية القصوى أمام تيارات التحرر الأردنية بعد حرب ، غزة ليست في انتظار إصلاحات مؤجلة، بل في رفع راية الحرية اليوم، كي تصبح قاعدة استقرارٍ وأمن، لا مجرد شعارٍ يتردد في الميادين ثم يخبو.. فالمستقبل لا ينتظر، والشعوب التي تُحرم من حقّها في التعبير لا تهدأ، بل تبحث عن طريقها ولو في العتمة.
والحرية التي نطلبها ليست حلمًا ضبابيًا ولا شعارًا في الميادين، بل واقعًا يُعاش وحقوقًا تُصان: حرية الرأي والتعبير التي لا تُصادر مهما كانت الذريعة، وحرية البحث والتعليم التي تطلق العقول لا تُقيدها، وحقّ التنظيم السياسي والاجتماعي السلمي دون وصاية مسبقة، وإعلامٌ يرى بعين الناس لا بعين السلطة، واحتجاجٌ سلميٌّ مشروع يذكّر الحاكم أن الوطن لا يُدار بالصمت.
هذه هي اللبنات الأولى لطريقٍ طويل، لكن كل طريق يبدأ بخطوة. وحين نحرس الكلمة، ونصون الفكر، ونمنح أبناءنا فضاءً للتعبير، فإننا لا نحمي حاضرنا فقط، بل نرسم ملامح الغد و شكل المستقبل.
فالحرية أولًا في هذه الرحلة ، بل وكل مرحلة ولكن مرحليا، لأنها أصل كل إصلاح، وصمام الأمان الذي يحول دون انفجار الأجيال القادمة في وجه أوطانها.. إنها ليست مطلبًا موسميًا، بل شرط بقاء، وسقف أمان يحمي الوطن من نفسه قبل أن يحميه من الآخرين.
قد يعجبك ايضا