نبض الإنسانية الخدمات الطبية الملكية في غزة والإعلام المحلي والعربي ؟

بقلم: العميد المتقاعد هاشم المجالي

………………..
في كل زاوية من زوايا غزة هناك صوت ألم، وجرح ينزف، وعيون تبحث عن بصيص أمل في وسط الركام.
وفي تلك الزوايا ذاتها، يقف النشمي والنشمية الطبيب الأردني والممرضة الأردنية، بقلوب عامرة بالرحمة، يضمدون الجراح ويعيدون للحياة معناها.
لكن السؤال الذي يفرض نفسه وسط هذا المشهد الإنساني الكبير:
أين الإعلام الأردني المؤثر على الاعلام العربي والعالمي من هذه القصة التي تفيض فخرًا وإنسانية؟
هناك قصص عطاء لا تُروى كما يجب ومنذ سنوات، وخصوصًا في كل عدوان يطال غزة، تواصل الخدمات الطبية الملكية الأردنية أداء واجبها بشجاعة وتفانٍ نادرين.
مستشفيات ميدانية أقيمت في خان يونس وتل الهوى ونابلس، وجراحات دقيقة تُجرى وسط أصوات الانفجارات، وأطباء يعملون لساعات طويلة في ظروف قاسية لا يحتملها إلا من امتلأ قلبه إيمانًا بإنسانيته ومحبته لوطنه ولأشقائه.

أرقام تروي الكثير:
أكثر من 26,000 عملية جراحية،
أكثر من 557 طرفًا صناعيًا أعاد لأصحابه القدرة على الحركة والأمل،
وأكثر من 1,650 طبيبًا وممرضًا وفنيًا تعاقبوا على خدمة المصابين والجرحى.
لكن وراء كل رقم حكاية إنسانية تستحق أن تُروى بفيلم هوليودي يأخذ جائزة الأوسكار …
طفل عاد لابتسامته بعد أن فقد ساقه، أمّ احتضنت ابنها الناجي بفضل عملية دقيقة أجراها طبيب أردني في ميدان لا يرحم.
لماذ اعلامنا غائبا عن مثل هكذا لحظات من الفخر .
ورغم كل هذا النبض الإنساني، يبدو أن الإعلام الأردني لم يمنح هذه القصص ما تستحقه من الضوء.
فقلّما نرى تقريرًا ميدانيًا يروي وجع الميدان أو يوثق لحظة ولادة حياة جديدة على يد طبيب أردني هناك.
تُمرّ الأخبار سريعًا: “افتتاح مستشفى ميداني”، “قافلة طبية أردنية تصل غزة”… ثمّ يصمت كل شيء، بينما يستمر العطاء خلف الكواليس بصمتٍ يليق بالجنود الحقيقيين.

أليس من حق هؤلاء الأبطال أن يُكتب عنهم؟
أليس من واجب إعلامنا أن ينقل للعالم صورة الأردن الذي لا يكتفي بالكلمات، بل يداوي الجراح بيديه؟

قصة وطن لا يعرف الحياد أمام الألم

الأردن لم يكن يومًا متفرجًا على وجع فلسطين.
منذ البدايات، كان الطبيب الأردني يزرع في الميدان ما يعجز غيره عن غرسه: الرحمة والأمل.
لقد تحوّل الأبيض الذي يرتديه إلى راية ناصعة تحمل اسم الأردن، وتقول للعالم إننا شعب لا يعرف الحياد أمام الألم.

هذه الصورة، وحدها، كفيلة بأن تُلهم الإعلام أن يكون شريكًا في نقلها.
فما قيمة الكاميرات إن لم تلتقط الدموع التي تتحوّل إلى ابتسامات؟
وما قيمة الأقلام إن لم تكتب عن أولئك الذين يخيطون الجراح بأصابع الوطن؟
وهناك صرخة بقالب دعوة من القلب
ليكن للإعلام الأردني دور أكبر في توثيق هذا العطاء.
لنُنتج أفلامًا قصيرة، وبرامج وثائقية، وتقارير تروي القصص لا الأرقام.
لنجعل من كل قصة شفاء رسالة، ومن كل طبيب عنوانًا للإنسانية الأردنية التي لا تعرف الحدود. وأخيرا فإن الخدمات الطبية الملكية الأردنية لا تعالج أجسادًا فحسب، بل تداوي جراحًا أعمق — جراح أمة تتوق إلى الرحمة والتكاتف.
وإن كان الأطباء والجنود هناك يصنعون المعجزة بالفعل، فإن دور الإعلام أن يصنع منها ذاكرة وطنية تخلّدهم وتُعرّف العالم من نحن.

فيا إعلامنا الأردني…
حدّث عنهم، عن أولئك الذين يكتبون اسم الأردن بالدمع والضماد،
فهم لا ينتظرون الثناء، بل فقط أن يُقال للعالم:
هنا الأردن… حيث الإنسانية لا تغيب.

الكاتب من الأردن

قد يعجبك ايضا