فادي السمردلي يكتب: عنزة لو طارت عندما تتحول المنظومات إلى مسرح للمصفقين والمتملقين

بقلم فادي زواد السمردلي  ….

 

*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*

👈 *المقال يصوّر حالة عامة، وأي تشابه عرضي مع أشخاص أو وقائع حقيقية غير مقصود.*👉

“عنزة لو طارت” ليست مجرد مثل شعبي يُروى للتندر أو الضحك في المجالس، بل هي خلاصة مأساة إنسانية تتكرر في كل زمان ومكان، حين يختار بعض الناس العمى الطوعي على البصيرة، والعناد الأحمق على الاعتراف بالحقيقة فالمثل في أصله بسيط رجل يرى شيئًا في الأفق فيقول “عنزة”، فيرد الآخر “بل طائر”، وحين تطير تلك “العنزة” أمامهما، يصر الأول بعناد مضحك “عنزة لو طارت!”، وكأن الاعتراف بالخطأ خطيئة، وكأن الحقيقة تهدد كرامته الزائفة ولكن خلف هذا المثل البسيط، تكمن قصة بعض من يديرون المنظومات ويكررون الخطأ نفسه، ويرفضون الإصلاح، ويسقطون في الهاوية وهم يصفقون لانفسهم بكل نشوة.

حين تحاول نصح البعض اليوم، تجد نفسك أمام جدارٍ من الغرور والسذاجة، جدارٍ لا يخترقه منطق ولا علم ولا تجربة فتقول لهم إن ما يفعلونه خطأ، وإن القرارات التي يتخذونها لا تقود إلا إلى الفشل، فيتهمونك بالتشاؤم أو الحسد أو “قلة الفهم”. تحذرهم من الانهيار، فيسخرون من صوتك فتنبههم إلى أن الخلل ليس في الخارج بل في الداخل، في العقول التي لا تفكر، وفي القلوب التي لا تنبض إلا للمصلحة، فيردون عليك بضحكةٍ باردةٍ ويواصلون الطريق نحو الهاوية بثقةٍ كاذبة فهؤلاء لا يسمعون النصيحة لأنهم ببساطة لا يريدون من يذكّرهم بحقيقتهم فالمؤتمن عندهم خائن إن قال الصدق، والفاشل يُرفع إلى القمة ما دام يصفّق، والمتملق يُكافأ لأنه يجيد التزييف، بينما يُقصى الكفوء لأنه لا يعرف التملق ولا يجيد فن الكذب.

وحين تتراكم الأخطاء وتبدأ الأرض بالتشقق تحت أقدامهم، يظنون أن الحل هو المزيد من التجميل الخارجي فيركّزون على الصورة، على اللقطة، على التصفيق، على اللقاءات المعلبة والمشاهد المُمسرحة، في محاولة بائسة لإقناع الناس أن الأمور بخير. يظنون أن الجمهور يمكن أن يُخدع إلى الأبد، وأن الكذب يمكن أن يتحول إلى واقعٍ بمجرد تكراره ولكنهم ينسون أن البهرجة لا تُخفي العفن، وأن التآكل الداخلي لا توقفه الكاميرات ولا العبارات المنمقة.

تلك المجموعة من المصفقين والمتملقين التي تحيط بكل صاحب سلطة أو قرار هي أخطر من أي عدو خارجي فهم كالسوس الذي ينخر الخشب من الداخل بينما يبدو الخشب من الخارج سليمًا لامعًا فهم الذين يزينون الخطأ، ويبررون الفشل، ويخلقون حول المسؤول أو القائد فقاعة من الوهم، حتى يصدق هو نفسه أن كل شيء بخير وفي تلك اللحظة، تبدأ النهاية الحقيقية لأن السقوط لا يأتي فجأة، بل يبدأ حين تصمت الأصوات الصادقة ويعلو صوت المصفقين ويبدأ حين يصبح قول الحقيقة جريمة، وحين يُقاس الولاء بقدر ما ترفع الصوت في التصفيق لا بقدر ما ترفع الوعي والنزاهة.

وما إن يقع الانهيار، حتى تتغير الوجوه، ويبدأ التبرؤ والتلاوم فكلٌّ يرمي المسؤولية على الآخر، ويتظاهر بأنه لم يكن يعلم ولكن الحقيقة أن الجميع كان يعلم، والجميع صمت، والجميع شارك، لأنهم جميعًا كانوا جزءًا من مشهد “العنزة لو طارت” الكبير فلا أحد منهم امتلك الشجاعة ليقول: “لقد أخطأنا”، لأن الاعتراف في عالمهم ضعف، والصدق خطيئة فيختارون الكذب حتى النهاية، يرممون الأنقاض بالكلمات، ويقنعون أنفسهم أن ما تهدم لم يكن يومًا قائمًا.

وهكذا تستمر الدائرة فيُنصحون فلا يستجيبون، يُخدعون فيظنون أنهم هم الأذكياء، ينهار البناء من تحتهم، فيظنون أن المشكلة في الآخرين وفي النهاية، يبقون يرددون بكل عنادٍ وغباءٍ مأساوي: “عنزة… لو طارت.”

الكاتب من الأردن

قد يعجبك ايضا