صوتٌ من وراء الحصار
بقلم: كِفاء عبدالرحمن الوجيه – تكتب عن: سيادة العميد حميد عبدالقادر عنتر …
في عالمٍ يتناسل فيه الصمت من رماد القنابل، وتُكمم فيه الحقيقة بشريطٍ من السياسة، يبقى بعض الأصوات كأنها صلاةٌ في وجه الخراب. أصواتٌ تخرج من بين الركام، لا لتبكي، بل لتُذكّر أن الكرامة لا تموت. من بين هذه الأصوات، يبرز اسم العميد حميد عبدالقادر عنتر، الذي جعل من الكلمة حصنًا، ومن الإيمان درعًا، ومن الحصار جسرًا لا يعترف بالحدود.
إنه رجلٌ تماهى مع قضيته حتى غدت ملامحه من ملامحها.
حمل وجع اليمن في صمته وفي خطابه، وخرج من حدود الوطن ليحمل صوته إلى المنابر والضمائر، لا إلى العواصم فقط.
حين أُغلق مطار صنعاء، انطفأ الأمل في عيون المرضى والمسافرين، لكن في صوت العميد اشتعلت شعلةٌ جديدة. جعل من الحصار معركةً إنسانية، يحارب فيها بالعقل لا بالسلاح.
واليوم، حين يُذكَر اسمه، لا يُذكَر كسياسيٍّ أو مستشارٍ فحسب، بل كرمزٍ لصوتٍ لم يرضَ أن يُخنق.
كان يعرف أن الدفاع عن الوطن لا يكون فقط في الميدان، بل في العقول والقلوب. بنى الجسور بين اليمن والعالم، و ظل يكتب رسائل الوطن بمدادٍ من الألم، لا ليُثير الشفقة، بل ليوقظ الضمير.
كل مؤتمرٍ شارك فيه كان فصلًا من رواية الصبر اليمني. وكل نداءٍ أطلقه كان قصيدةً مكتوبة بالرجاء. فحيثما وُجد صوته، وُجدت اليمن، لا بوصفها جرحًا، بل روحًا عصيّةً على الموت.
لم يكن العميد عنتر مسؤولًا في سلطةٍ، بل روحًا في معركةٍ كبرى بين الظلم والإنسانية. كان يُدرك أن الكلمة الحرة لا تُقصف، وأن الإيمان بالحق يُعيد للأرض لونها، وللسماء مداها.
وفي كل ما قدّم، ظل يحمل إصرارًا نادرًا على أن يظل الإنسان هو جوهر القضية، وأن لا يتحوّل الوطن إلى رقمٍ في نشرات الأخبار.
إنّ ما تركه العميد حميد عبدالقادر عنتر ليس مجرّد أثرٍ سياسي، بل إرثٌ إنساني يذكّرنا بأن الصدق أقوى من الدخان، وأن الصوت الخارج من بين الأنقاض يمكن أن يصل إلى أقاصي الأرض.
رجلٌ لم يختر الصمت حين صار الصمتُ نجاة، بل اختار أن يكون الجسرَ بين وجع اليمن وضمير العالم.
كان يمكن له أن ينزوي في ركنٍ بعيد، أن يدفن في صدره الحكاية وينتظر انقشاع الغبار، لكنه أبى. فالكلمة عنده ليست حبرًا، بل نداءٌ يوقظ الأرواح النائمة. حمل همَّ اليمن على كتفيه، لا كعبءٍ بل كأمانةٍ، ومضى يخاطب الضمير الإنساني حين أعرضت عنه السياسات.
الكاتبة من اليمن