فادي السمردلي يكتب: الطيور تختار أشجارها والفئران تختار جحورها حكمة الانتماء والبقاء لذا حلّق بعيداً

بقلم فادي زواد السمردلي …..

 

*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*

👈 *المقال يصوّر حالة عامة، وأي تشابه عرضي مع أشخاص أو وقائع حقيقية غير مقصود.*👉

الطيور تختار أشجارها، والفئران تختار جحورها، وبين هذا وذاك تتجلى فلسفة الوجود في أبسط صورها وأكثرها قسوة فالمسألة ليست مجرد تفضيل بيئة على أخرى، بل هي ترجمة غريزية لحكمة أعمق تتعلق بالانتماء، وبفطرة البقاء، وبحدود ما يمكن أن يحتمله الكائن ليظل كما هو فالطيور تختار العلو لأنها وُلدت له، والفئران تختار الانحناء لأنها لا تطيق النور فكلٌّ منهما يختار ما يليق بطبيعته، وما يحفظ له بقاءه ولكن الإنسان وحده يتردد بين الجحر والسماء، بين الخوف والطموح، بين أن يكون طائراً يواجه الريح أو فأراً يختبئ منها.

في هذا الصراع الأبدي بين التحليق والانكماش، تظهر حقيقة لا يمكن تجاهلها فليس كل من له جناح قادر على الطيران، ولا كل من يملك مأوى جدير بالبقاء فيه فالطيور لا تطير لأنها تملك أجنحة فحسب، بل لأنها تملك شجاعة الانفصال عن الأرض والفئران لا تبقى في جحورها لأنها ضعيفة، بل لأنها استسلمت لفكرة أن الظلام أرحم من مواجهة الضوء وهكذا يعيش الناس بعضهم يختار أشجار الطموح في أعالي السماء، وبعضهم يدفن نفسه في جحور العادة والخوف والتبرير.

حكمة الانتماء ليست أن تظل حيث وُجدت، بل أن تعرف إلى أين تنتمي فعلاً وأن تدرك أن مكانك ليس حيث تُرضي الآخرين أو حيث تتجنب الألم، بل حيث تشعر أن روحك تتنفس بحرية فهناك من يُولد وجناحاه مربوطان بخيوط الخوف من الفشل، يخشى السقوط قبل أن يحاول الطيران، فيمضي عمره يراقب الآخرين وهم يعبرون السماء، ويقنع نفسه بأن الأرض أأمن وأدفأ ولكنه لا يدرك أن الجحور مهما اتسعت، تبقى قبوراً للروح، وأن العيش بلا أفق نوع آخر من الموت.

أما أولئك الذين اختاروا التحليق، فهم يعرفون أن السماء ليست كلها زرقة وحرية، بل رياح عاتية وصواعق مفاجئة، وأن الطيران ثمنه تعب، وخسارات، ووحدة ومع ذلك، لا يعودون إلى الأرض، لأنهم جرّبوا طعم الارتفاع، ولن يرضوا بعده بانحناء فهؤلاء هم الذين يصنعون الفرق، الذين يتنفسون المجازفة كما يتنفس غيرهم الأمان، الذين يدركون أن الكرامة في السقوط من علوّ أشرف من النجاة في ظلام.

حين تختار أن تكون طائراً، لا تلتفت إلى أصوات الفئران التي تسخر من تحليقك فسيقولون إنك حالم، متهور، مغرور، لأنهم لا يرون العالم إلا من مستوى الأرض وسيحاولون شدّك إلى جحرهم بحجج المنطق والسلامة، لكن لا تصغِ إليهم فالعقل الذي يخاف من الريح لا يمكنه أن يفهم شجاعة الجناح فكل ارتفاع ستدفع ثمنه وحدك، وكل سقوط سيكون درسك أنت، لكن كلاهما أصدق من حياة كاملة في الظلال.

في النهاية، الحياة لا تنتظر من يتردد، ولا تُكرم من يختبئ فكل كائن يختار مصيره كما يختار مكانه فاختر أنت شجرتك، لا جحرك. ابحث عن سمائك الخاصة، عن فضائك الذي يتسع لك دون أن يحدّك فلا تسمح لخوفك أن يربط أجنحتك، ولا تجعل دفىء الأرض يغريك بنسيان المعنى. تحرر من ضيق الجحور، وامنح نفسك فرصة الطيران، حتى لو كان الطريق وعراً، والريح ضدك لأن من تعلّم الطيران مرة، لا يعود يسكن التراب لذا، حلّق بعيداً، ولا تلتفت أبداً إلى من اختاروا الجحور مسكناً لهم.

الكاتب من الأردن

قد يعجبك ايضا