فادي السمردلي يكتب: التفاهة تتصدر المشهد والكفاءة تبحث عن مكان
بقلم فادي السمردلي ….
#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال
👈 المقال يصوّر حالة عامة، وأي تشابه عرضي مع أشخاص أو وقائع حقيقية غير مقصود.👉
لقد أصبح واضحًا أن التفاهة لم تعد مجرد ظاهرة سطحية في حياتنا اليومية، بل صارت سلوكًا متجذرًا يصل أحيانًا إلى مواقع متقدمة في المجتمعات ويبدو أن هناك منطقًا غريبًا يفرض نفسه فمن لا يملك مشروعًا أو رؤية واضحة يصعد بسهولة، بينما أصحاب الكفاءة والخبرة يظلّون في الظل، ينتظرون فرصة نادرة قد لا تأتي أبدًا والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو لماذا يُمنح الأثر الأكبر لمن لا يقدم سوى الفراغ، بينما من يحملون المعرفة والجدية يجدون أنفسهم مهمشين؟
عندما نتأمل هذه الظاهرة، ندرك أن صعود التفاهة ليس مجرد صدفة، بل نتيجة تراكمية لعدد من العوامل الثقافية والاجتماعية. فالمجتمع بطبيعته يميل أحيانًا إلى الانبهار بالصورة أكثر من المضمون، وبالمؤثرات اللحظية أكثر من المشاريع الطويلة ومن هنا، يصبح من يسوق نفسه بصورة براقة أو يتقن فن الانطباع الأول هو الذي يتصدر المشهد، بينما من يملك أفكارًا عميقة وأعمالًا ملموسة يحتاج إلى صبر طويل قد لا يُكافأ أبدًا فهذا الانحراف في المعايير يجعل الصعود مرتبطًا بالظهور أكثر من الإنجاز، وبالقدرة على جذب الانتباه أكثر من القدرة على صناعة الفارق.
وتتسع آثار هذه الظاهرة عندما تصل إلى مواقع القرار أو النفوذ. فبدل أن تكون هذه المواقع محصنة بالكفاءة والرؤية، نجد أحيانًا من يجلس في المناصب لا يملك سوى القدرة على الالتزام بالمظاهر واتباع النسق السائد، بينما من يمتلك القدرة الحقيقية على التفكير والتخطيط يُهمش. هذا لا يؤدي فقط إلى فقدان الفاعلية في المؤسسات، بل إلى تشكيل مناخ عام يبعث على الإحباط، إذ يرى الناس أن النجاح لا يعتمد على الجهد أو العقل، بل على القدرة على التلون والانطباع.
الأمر الأكثر خطورة هو أن هذا النمط يخلق عقلية جماعية سطحية، بحيث يعتاد الأفراد على رؤية الفارغين في المقدمة، ويبدأون في تصديق أن التواجد لا يعني القدرة على الإنجاز وبمرور الوقت، تُصبح هذه العقلية معيارًا مقبولًا للصعود والنجاح، وهو ما يضر بالقيم الأساسية لأي مجتمع يسعى إلى التقدم أو التطوير لإن صعود التفاهة بهذا الشكل هو إشارة إلى خلل أعمق في معايير التقييم، سواء في الثقافة العامة أو في مواقع النفوذ.
وفي هذا السياق، يمكن القول إن المجتمع يحتاج إلى إعادة النظر في طريقة تقديره للأفراد والإنجازات ويجب أن تتاح الفرص لمن يملكون عمقًا ورؤية واضحة، وأن يُقاس النجاح بناءً على أثر العمل لا على القدرة على التمثيل أو المؤثر اللحظي فالنجاح الحقيقي لا يأتي من مجرد شغل المقعد الأعلى أو صدور العبارات الرنانة، بل من القدرة على التأثير الفعلي وإحداث تغيير ملموس.
إن استمرار التفاهة في الصدارة يهدد أي مجتمع ليس فقط بفقدان المعايير، بل بتعميق الانقسام بين من يمتلكون القدرة الحقيقية وبين من ينجحون في الظاهر فقط وما لم يُسحب البساط من تحت أقدام الفارغين ويُستعاد معيار الجدارة، فإن المستقبل سيبقى رهينة للمظاهر، والقرارات ستظل متأثرة بالصورة أكثر من الجوهر، وذوق المجتمع سيستمر في الانحدار نحو سطحية بلا نهاية.
الكاتب من الأردن