*الغطرسة الأمريكية وتجلياتها في فكر “نهاية التاريخ” و“صراع الحضارات”*
د. أحمد العرامي ….
تعتبر مؤلفات “نهاية التاريخ والإنسان الأخير” لفرانسيس فوكوياما و *”صراع الحضارات وإعادة تشكيل النظام العالمي”* لصموئيل هنتنغتون أبرز التعبيرات الفكرية عن الغطرسة الأمريكية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، حيث سعى الغرب — وعلى رأسه الولايات المتحدة — إلى إعادة تعريف النظام الدولي وفق مصالحه ورؤيته الثقافية والسياسية. هذه الأعمال لم تكن تنظيرات أكاديمية بل كانت محاولات لتأطير العالم ضمن منطق الهيمنة الفكرية والسياسية الغربية، وتبرير استمرار المركزية الأمريكية في قيادة العالم.
يرى فوكوياما أن التاريخ قد وصل إلى “نهايته” بانتصار الليبرالية الغربية، وأن الديمقراطية الليبرالية والرأسمالية هما النموذج النهائي للإنسانية، وكأن مسار البشرية قد توقف عند التجربة الغربية وحدها. هذا الطرح ينطوي على إلغاء للتعدد الثقافي والحضاري، ويختزل الإنسانية في نسق واحد، مما يعكس نزعة استعلائية تفترض تفوق الغرب أخلاقياً وسياسياً على سائر الأمم.
أما هنتنغتون، فقد ذهب أبعد من ذلك في كتابه “صراع الحضارات”، حيث اعتبر أن ما بعد الحرب الباردة لن يشهد صراعات أيديولوجية أو اقتصادية، بل صراعات ثقافية ودينية بين حضارات كبرى، وعلى رأسها الحضارة الغربية في مواجهةالحضارتين الإسلامية والصينية. هنتنغتون لم يكتفِ بوصف الواقع، بل أسس لنظرية تضع الإسلام في موضع “الخصم الحضاري” الأبرز للغرب، وهو ما رسخ في الوعي الغربي تصوراً عن “الخطر الإسلامي” وشرّع سياسات الإقصاء والتدخل، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001.
هذا الفكر يعكس عنصرية بنيوية في الرؤية الغربية، إذ يُنظر إلى العالم من منظور المركز والأطراف: الغرب في القمة، وبقية الحضارات في موقع التهديد أو التبعية. فالغرب لا يتعامل مع الآخر بندية أو احترام، بل كموضوع يجب “تطويعه” ضمن المنظومة الغربية. وهكذا، يصبح خطاب “الديمقراطية وحقوق الإنسان” مجرد أداة لتبرير السيطرة، وليس مبدأً أخلاقياً عاماً.
من جانب آخر، أبدى هنتنغتون تخوفاً واضحاً مما سماه “التحالف الصيني ءالكونفوشي- الإسلامي”
معتبراً أن هذا التحالف يشكل الخطر الأكبر على التفوق الغربي. فالصين، بقوتها الاقتصادية والعسكرية المتنامية، تمثل تحدياً مادياً للهيمنة الأمريكية، بينما يشكل الإسلام تحدياً عقائدياً وروحياً للفكر الليبرالي المادي. الجمع بين هذين التحديين في تحالف محتمل، يعني في نظر الغرب تهديداً مباشراً للبنية الفكرية والسياسية للنظام الدولي الذي أسسه بعد الحرب العالمية الثانية.
إن جوهر هذه الرؤى يكشف أن الغطرسة الأمريكية ليست مجرد سياسة خارجية عدوانية، بل هي منظومة فكرية كاملة تتجذر في العقل الغربي. فهي تنطلق من افتراض أن الغرب هو معيار التقدم، وأن الآخرين إما أن يتبعوه أو يُصنفوا كخصوم.
ومن هنا، فإن نقد هذه النظريات لا يقتصر على تفنيد أطروحاتها، بل يمتد إلى تفكيك البنية العنصرية التي تقف خلفها، والتي تسعى لتثبيت الهرمية الحضارية بين الشعوب.
في النهاية، يتضح أن “نهاية التاريخ” لم تتحقق، وأن “صراع الحضارات” ليس حتمية بقدر ما هو صناعة فكرية تخدم مصالح القوى الكبرى. فالعالم اليوم يشهد تحولات تضعف منطق المركزية الغربية، وتؤكد أن التعدد الحضاري والثقافي هو الطريق الواقعي نحو توازن عالمي أكثر عدلاً وإنسانية.
الكاتب من اليمن