“وصايا التراب”
بقلم:كِفاء عبدالرحمن الوجيه ….
في الليلِ
حينَ تغفو العواصمُ خلفَ النوافذِ المضيئة،
تصحو غزةُ…
كأنها لا تعرفُ النوم،
كأن في صدرها ساعةً لا تتوقف.
تمشطُ دمها…
وترتّبُ أطفالها كأقمارٍ صغيرة
على عتباتِ الفجرِ المؤجل.
و القدسُ
حروفها تتوضأُ كلَّ مساءٍ
بأدعيتنا التي تبلغُ الغيم،
وصورتها على الجدرانِ
أبهى من كلِّ الملوكِ والراياتِ المؤقتة.
غزةُ
ليست بيتاً…
هي ضميرٌ يتيم
يصرخُ في ليلِ العالم
ولا يرد عليه أحد.
كم مرّة
تجسّد الترابُ طفلاً شهيداً؟
كم مرّة صعدَ الدمعُ
كأنه نشيدُ وطنٍ يُصلّى عليهِ كلَّ صباح
أكتبُ عنكم،
لا لأنني كاتبة،
بل لأن قلبي لا يعرف الصمت
حين تمرُّ القصائدُ من شقوق الجدران
محمّلةً برائحةِ الخبزِ والدم.
غزة…
يا نشيداً من صبرٍ قديم،
ويا ظلَّ شجرةٍ تقفُ في وجهِ الريح،
ستبقينَ،
لأن السماءَ
لا تهدمُ أحلامَ الذين يسجدون وهم واقفون.
في غزة،
لا يحتاج الليلُ إلى نجوم،
فالنارُ كافيةٌ لتضيء الطريق
إلى الله.
البيوتُ المنهارةُ
تحملُ بين ركامها
وصايا لم تُكتب،
وأدعيةً كانت تتلوها الحجارة
بصمتٍ يفوق الكلام.
وفي القدس،
الظلُّ أطول من الجدار،
والهواءُ مشبّعٌ باسمٍ واحد
لا يتغير…
“هنا كنا،
وهنا سنكون.”
الحجارةُ ليست سلاحًا،
بل ذاكرة.
والأقدامُ الحافيةُ
ليست هروبًا،
بل سيرٌ نحو الخلود.
ما عاد الموتُ يفاجئهم،
بل صاروا يسيرون إليه
بصدرٍ مفتوح،
كأنهم يعاتبونه:
“تأخرت.”
هنا،
كل شيءٍ يقاتل:
التراب،
الريح،
الهواء،
والصمتُ الذي
لا تنقلهُ شاشات العالم.