فادي السمردلي يكتب : “من الحبة قبة” التضخيم السياسي وصناعة الأزمات الوهمية
بقلم فادي زواد السمردلي ….
*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*
👈 *المقال يصوّر حالة عامة، وأي تشابه عرضي مع أشخاص أو وقائع حقيقية غير مقصود.*👉
تعتبر ظاهرة “من الحبة قبة” واحدة من السلوكيات الأكثر خطورة التي تسهم في تشويه الحياة السياسية والاجتماعية، لا سيما عندما تتحول إلى استراتيجية متعمدة تمارسها بعض القيادات لبعض الأحزاب السياسية لأن التضخيم للأمور البسيطة وتحويلها إلى أزمات كبرى ليس مجرد انعكاس لنمط اجتماعي أو فردي شائع، بل هو أداة سياسية تُستخدم لتوجيه الرأي العام، وخلق معارك وهمية، وإشغال المجتمعات عن القضايا الحقيقية التي تحتاج إلى حلول جذرية ففي عالم السياسة، يتحول هذا السلوك إلى أداة فعالة لبعض القادة الذين يدركون أن استثمار الأزمات الصغيرة يمنحهم فرصة للظهور بمظهر البطل أمام قواعدهم الشعبية أو لمهاجمة خصومهم السياسيين ولكن ما هي تداعيات هذا النمط من السلوك على النظام السياسي، والثقة المجتمعية، والتنمية الوطنية؟
في كثير من الأحيان، نجد أن هذه النوعية من القيادات الحزبية تستغل أحداثاً بسيطة قد لا تتجاوز سوء فهم أو خطأ إداري غير مقصود، لتحولها إلى أزمات تُثار حولها الضجة الإعلامية والخطابات النارية ويتم تضخيم الحادثة باستخدام أدوات الإعلام الموجه، والتصريحات الاستفزازية، والتأويلات البعيدة عن الواقع والهدف من هذا التهويل قد يختلف من حالة إلى أخرى، فبعض القيادات تسعى إلى صرف الأنظار عن إخفاقاتها في إدارة شؤون الحزب أو القضايا الوطنية، بينما يلجأ آخرون إلى تضخيم الأمور لإحراج الخصوم السياسيين أو لإبراز أنفسهم كحماة للمصالح العامة أمام قواعدهم الشعبية.
ومع أن هذا التكتيك قد يحقق نجاحاً قصير المدى لبعض القادة، إلا أن آثاره على المدى البعيد تكون مدمرة لان ذلك يؤدي :
أولاً، يؤدي تضخيم الأمور الصغيرة إلى خلق حالة من التوتر والاحتقان السياسي، حيث تصبح الأحزاب المختلفة في حالة صدام دائم، مما يجعل الحوار البناء شبه مستحيل بدلاً من الجلوس على طاولة المفاوضات لحل القضايا الجوهرية، ينشغل الجميع في ردود الأفعال وإدارة الأزمات المصطنعة وهذا السلوك يؤدي إلى تعطيل العمل السياسي وإضعاف المؤسسات الديمقراطية، حيث تصبح القرارات الوطنية رهينة للمناورات والمزايدات السياسية.
ثانياً، يؤدي “عمل من الحبة قبة” إلى تآكل الثقة بين المواطنين والقيادات السياسية فعندما يدرك المواطن أن القادة الذين انتخبهم ينشغلون بافتعال الأزمات وتضخيم الأمور التافهة بدلاً من التركيز على حل مشكلاته اليومية، فإن ذلك يولد حالة من الإحباط والغضب وهذا الشعور بعدم الثقة لا يقتصر على الأحزاب المعنية فحسب، بل يمتد ليشمل المنظومة السياسية برمتها، مما قد يدفع الناس إلى العزوف عن المشاركة السياسية أو تبني مواقف أكثر تطرفاً.
ثالثاً، على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، يؤدي التركيز على الأزمات المصطنعة إلى إهدار الموارد والوقت فبدلاً من أن تُخصص الجهود لتحسين التعليم، وتطوير البنية التحتية، وخلق فرص عمل جديدة، نجد أن الأطراف المعنية تنفق أموالاً وموارد على إدارة صراعات وهمية لا طائل منها وهذا الإهدار ينعكس سلباً على التنمية الوطنية، حيث تظل المشكلات الحقيقية دون حلول، وتزداد الفجوة بين القيادات والشعب.
ومن المهم أن ندرك أن هذه الظاهرة ليست مجرد انعكاس لثقافة فردية، بل تعبر عن أزمة هيكلية في طريقة ممارسة العمل السياسي لإن غياب الرؤية الاستراتيجية لدى بعض قيادات الأحزاب يدفعهم إلى التركيز على المكاسب الآنية، بدلاً من بناء خطط طويلة الأمد تخدم مصالح الوطن والمواطن كما أن ضعف الوعي السياسي لدى قطاعات من الجمهور يجعل من السهل استغلال هذه التكتيكات، حيث ينجر الناس وراء الأزمات المصطنعة دون إدراك لحقيقة أن هذه القضايا ليست سوى أدوات لصرف الانتباه عن الأولويات الحقيقية.
في الختام، يمكن القول إن ظاهرة “من الحبة قبة” ليست مجرد سلوك عابر أو عفوي، بل هي استراتيجية خطيرة تستخدمها بعض القيادات الحزبية لتحقيق أهداف ضيقة على حساب المصالح الوطنية فما تحتاجه المجتمعات اليوم هو قيادات سياسية واعية تدرك أن المصلحة العامة تتطلب التركيز على القضايا الكبرى، والتعامل مع الأحداث الصغيرة بحكمة وموضوعية فالأوطان لا تبنى بالصراعات الوهمية والخطابات المتشنجة، بل بالعمل الجاد والتعاون البناء الذي يضع مصلحة الشعب فوق كل اعتبار.
الكاتب من الأردن