*الجذور النازية لحزب الكتائب اللبناني وتأثر بيير الجميّل بفكرة القمصان السوداء*

د. أحمد العرامي  …..

تأسس حزب الكتائب اللبناني عام 1936 على يد بيير الجميّل في زمنٍ كانت فيه أوروبا تغلي بصعود الأنظمة الفاشية والنازية، وكان لبنان تحت الانتداب الفرنسي يعيش حالة من البحث عن هوية وطنية داخل تركيبة طائفية معقدة. تأثر بيير الجميّل بالنماذج السياسية والتنظيمية التي رآها خلال زيارته إلى ألمانيا عام 1936 لحضور الألعاب الأولمبية، حيث لفت نظره الانضباط الصارم و الحديدي في تنظيم الشباب النازي. هذه التجربة تركت أثرًا عميقًا في رؤيته لبناء تنظيم شبابي ماروني لبناني قوي على الطريقة الأوروبية الحديثة، فأنشأ الكتائب مستلهماً فكرة “القمصان السوداء” التي ابتكرها موسوليني في إيطاليا وفكرة التنظيم شبه العسكري القائم على الطاعة والنظام والانضباط والرمزية القومية.
أصبح حزب الكتائب نازيًّا بالمعنى الأيديولوجي ، إذ تبنى الفكر العنصري وخالف النزعة التوسعية للنازية الألمانية، لكنه اقتبس منها الشكل الخارجي والانضباط التنظيمي وفكرة الحزب العقائدي الذي يربط بين الشباب والزعيم والأمة في إطار صارم.
استخدم أعضاء الحزب في بداياته زيًا موحدًا وشعارًا ذا طابع فاشي وتحية مستوحاة من الحركات الأوروبية، ما جعل الحزب يبدو كنسخة محلية من التنظيمات الفاشية في أوروبا. إلا أن جوهر فكر الكتائب لم يكن عرقيًا بل طائفيًا مسيحيًا، يهدف إلى حماية الوجود الماروني ضمن كيان لبناني مستقل عن المحيط العربي، وهو ما شكّل لاحقًا أساسًا لصراعات الهوية في لبنان.
يمكن القول إن بيير الجميّل كان مفتونًا بفاعلية التنظيم الفاشي كأداة لبناء الدولة الحديثة وضبط المجتمع. أراد أن يستنسخ الانضباط الأوروبي داخل مجتمع متنافر ومتعدد الطوائف، فحوّل الكتائب إلى حركة شبابية مارونية تعتمد على الولاء والطاعة والتدرج التنظيمي الصارم. ومع مرور الوقت تحول هذا الإرث التنظيمي إلى سلاح سياسي وعسكري استخدمه الحزب خلال الحرب الأهلية اللبنانية، فبرز الطابع الميليشيوي والانغلاق الطائفي الموروث من فكرة الحزب المنضبط ذي القيادة الواحدة.
هكذا يمكن فهم الجذور النازية لحزب الكتائب على أنها تأثر فكري وتنظيمي، انتج بصمة عميقة في الحياة السياسية اللبنانية، إذ أسست لثقافة حزبية صارمة مغلقة تمزج بين العقيدة الدينية والطائفية والطاعة التنظيمية، وهو ما جعل الكتائب أحد أبرز الأمثلة في العالم العربي على نقل النموذج الفاشي الأوروبي إلى بيئة طائفية شرقية تبحث عن هوية سياسية في ظل أزمات الكيان والدولة.

الكاتب من اليمن

قد يعجبك ايضا