*الوعود الأوروبية لكيان العدو الإسرائيلي بإقامة وطن في فلسطين من نداء نابليون إلى وعد بلفور*

د. أحمد العرامي  ….

 

بدأت فكرة إقامة وطن لكيان العدو الإسرائيلي في فلسطين بعد حركة مارتن لوثر البروتستنتية التي حولت النظرة إلى اليهودية، وكذلك السياسات الأوروبية التي آمنت بالمسألة اليهودية وربطتها بمصالحها السياسية في الشرق.
أول من عبّر عن هذا التوجه كان نابليون بونابرت حين أصدر نداءه الشهير عام 1799 أثناء غزوه لمصر و بلاد الشام، دعا فيه اليهود إلى الالتفاف حوله وإقامة وطن لهم في أرض فلسطين تحت رعايته، مدّعيًا أنه يريد “إعادة الشعب اليهودي إلى أرض أجداده”. كان النداء تعبيرًا عن تعاطف حقيقي مع اليهود، بل خطوة دعائية أراد بها نابليون كسب دعم يهود أوروبا ضد العثمانيين والبريطانيين البروتستانت واستغلالهم كأداة تخدم مصالح فرنسا في المنطقة. ومع فشل حملته على عكا، تلاشت الفكرة مؤقتًا لكنها فتحت الباب أمام التفكير الأوروبي في استثمار المسألة اليهودية كوسيلة لاختراق المشرق العربي.
في مطلع القرن العشرين، عادت الفكرة بقوة إلى الأجندة الأوروبية، خصوصًا مع تصاعد الفكر الاحتلالي وتقاطع مصالح القوى الكبرى في الشرق الإسلامي. ففي مؤتمر بنيرمان الذي انعقد بين عامي 1905 و1907، ناقشت بريطانيا مع مجموعة من السياسيين والمفكرين مستقبل ممتلكاتها ومناطق النفوذ في آسيا وإفريقيا. وخلص المؤتمر إلى ضرورة إقامة كيان يفصل المشرق العربي عن المغرب العربي ويمنع التواصل بين جناحي العالم الإسلامي، ويكون هذا الكيان قاعدة متقدمة للمصالح الغربية. وهنا طُرحت فلسطين كأنسب موقع لذلك المشروع، لما تملكه من موقع استراتيجي يربط بين آسيا وإفريقيا ويشرف على قناة السويس. كانت هذه التوصيات بمثابة الأساس الفكري والسياسي للسياسة البريطانية اللاحقة تجاه فلسطين.
وفي عام 1917، ومع اشتداد الحرب العالمية الأولى، أصدرت فرنسا ما عرف بـ”وعد كامبرن” في فبراير 1917 وكان بمثابة مذكرة تمهيدية غير رسمية صاغتها الدوائر الفرنسية تتضمن فكرة دعم إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين بعد انتهاء الحرب. هذا الوعد لم يُعلن على نطاق واسع، لكنه كشف نية فرنسا في اعتبار اليهود كحليف استراتيجي لتحقيق مشروع احتلال يضمن لها النفوذ في الشرق. وأصدر وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور في تشرين الثاني 1917 رسالته الشهيرة إلى اللورد روتشيلد، التي عُرفت لاحقًا باسم “وعد بلفور”، وجاء فيها أن حكومة جلالته تنظر بعين العطف إلى إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل جهدها لتسهيل تحقيق هذا الهدف.
جاء وعد بلفور تتويجًا لمسار طويل من التفكير التوسعي الأوروبي، حيث التقت المصالح البريطانية مع أهداف الحركة الصهيونية التي كانت قد تأسست رسميًا في مؤتمر بازل عام 1897 بقيادة تيودور هرتزل. لم يكن الوعد مجرد مبادرة إنسانية كما زعمت بريطانيا، بل كان خطوة سياسية مدروسة هدفها تمكين قوة موالية للغرب في قلب المشرق، تضمن بقاء السيطرة البريطانية على قناة السويس والطريق إلى الهند، وتمنع قيام وحدة عربية أو إسلامية في المستقبل.
تُظهر هذه الوعود المتعاقبة من نابليون إلى بلفور أن المشروع الصهيوني لم يكن وليد حاجة اليهود إلى وطن فقط بقدر ما كان نتاجًا لمخططات صهيونية أوروبية متراكمة، استخدمت المسألة اليهودية كأداة لإعادة رسم خريطة الشرق الإسلامي. ومع تطبيق وعد بلفور وبدء الهجرة اليهودية الكثيفة إلى فلسطين، بدأت مرحلة جديدة من الصراع العربي-الصهيوني الذي ما زال يلقي بظلاله حتى اليوم، لتبقى تلك الوعود الأوروبية الشرارة التي مهّدت لنكبة الأمة العربية الإسلامية واحتلال فلسطين.

الكاتب من اليمن

قد يعجبك ايضا