خطيئة الشعب في عنق وزير الداخلية ورئيس مجلس النواب

بقلم العميد المتقاعد هاشم المجالي –
…………….

قرأتُ بالأمس خبرًا تناقلته الصحف، مفاده أنّ معالي وزير الداخلية، مازن الفراية، قد أطلق سراح نحو ستمئة وخمسين موقوفًا إداريًا من سجون هذا الوطن. ولست أدري لِمَ استوقفني هذا الخبر، فأعاد في نفسي صورًا غابرة، وفتح في قلبي جراحًا طال عليها العهد، ثم زاد عليها ما شهدتُه في أيامنا هذه من أحداث كأنها امتدادٌ لتلك الصور، لا تنفصل عنها ولا تنفكّ.

أما ذكرى الأمس، فأنا أستعيدها كأنها واقعة الساعة؛ يوم كنتُ أرأس مكافحة المخدرات في محافظة الزرقاء، وكنت جالسًا إلى جانب المرحوم رأفت باشا المجالي – رحمه الله وجعل مثواه الجنة – وكان يومئذٍ رئيسًا لبلديتها. وبينما نحن في حديثٍ لا يشغل عن العمل ولا يلهي عن الواجب، إذ جاءه هاتف ينبئه بأن رجلًا من أهل الطيش والسطوة، ممن أفسدتهم جرائمهم وأغرتهم سوابقهم، قد هجم على أحد مكاتب البلدية في شارع الشهيد، فضرب من فيه من موظفين، وكسّر الأبواب والأثاث، غير مبالٍ بحرمة مكان ولا بوقار دولة.

فهبّ رئيس البلدية إلى الهاتف، واتصل بمدير الشرطة، يطلب إليه أن يقبض على ذلك المعتدي، وأن يسلّمه للقضاء ليقول كلمته فيه. ولكن… وهنا تكمن العِلّة التي ما زلنا نعانيها… اشترط مدير الشرطة أن يتقدم موظف من البلدية بشكوى رسمية، أو أن يكتب تقريرًا بما جرى، ليقوم القانون على قدميه.

ولكم كان المشهد مؤلمًا حين رأيت موظفي البلدية، وهم شهود حقّ، يرفضون الذهاب إلى المركز أو كتابة حرف واحد يشهد على ما رأوه. لم يكن خوفًا من القانون، بل خوفًا من ذلك الأزعر وزمرته، من سطوتهم، من يدٍ تمتدّ إلى بيوتهم، إلى أولادهم، إلى أمنٍ هم أضعفه منه.

ولما ضاقت السبل، اتصل رئيس البلدية بالمحافظ، فبادر الأخير إلى إصدار كتاب بإحضار ذلك المتعدّي مخفورًا إلى مكتبه. فجاءت به الشرطة، وعرض أمام المحافظ، فأمر بتوقيفه وفق قانون منع الجرائم، حفظًا للسلامة العامة، وصونًا لهيبة الدولة.

ولَكَمْ تكرّر المشهد ذاته قبل أيام، حين اعتدت فئة من ذوي الأسبقيات على منشأة حكومية في أحد المستشفيات، وأوشك الأمر أن يتفاقم لولا تدخّل الشرطة. ولو تُرك أولئك دون رادع، لما بقي لمواطنٍ أمن، ولا لمؤسسةٍ حرمة.

إنّ الإفراج عن أصحاب السوابق ومن عُرفوا بالأتاوات ليس أمرًا هينًا، ولا هو قرار يمرّ بغير أثر؛ فكم من مظلومٍ سيخاف، وكم من مالٍ سيُنهب، وكم من مرفقٍ سيُعتدى عليه. وليس لنا، بعد الله، إلا قانون منع الجرائم، وسلطة الحكّام الإداريين، الذين كان لهم الفضل – بعد توفيق الله – في أن تبقى مدننا عامرة بالأمن، خاضعة للنظام.

يا مازن باشا القاضي، ويا مازن باشا الفراية… أعيدوا إلى الحكّام الإداريين سطوتهم التي بها يُصان الأمن، وقوّوا قانون منع الجرائم، ففيه حياةٌ للناس، وفي القصاص – كما قال الله تعالى – حياةٌ يا أولي الألباب.

الكاتب من الأردن

قد يعجبك ايضا