فادي السمردلي يكتب: من يرفض الاستيقاظ من الصعب إيقاظه منظومات تعيش في وهم النجاح وتخاف من الضوء

بقلم فادي زواد السمردلي  ….

 

*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*

ليس كل نائم بريئًا من نومه، فبعض النوم فعلُ هروبٍ متعمّد، وجريمةٌ ضد الوعي، وتواطؤٌ مع الزيف فحين يرفض الإنسان أن يستيقظ، لا يعود نائمًا، بل ميتًا على قيد العادة وحين ترفض منظومةٌ كاملة أن تفتح عينيها رغم أن كل المؤشرات تصرخ بالإنذار، فإنها لا تنام، بل تنحدر فهذه ليست حالة غفلة، بل إدمان على العمى، ومقاومة شرسة ضد النور فالمشكلة ليست في الجهل، بل في ذاك النوع من الكِبْر الذي يجعل صاحبه يختار الخطأ وهو يعرف الصواب، ويفضّل الراحة في الوهم على الألم في الحقيقة.

المنظومات التي نتحدث عنها — سياسية كانت أو اقتصادية أو ثقافية — لم تعد تجهل الحقيقة، بل صارت تكرهها فترى الحقائق أمامها، لكنها تتعامل معها كعدوٍ يجب دفنه في أوراق البيروقراطية، أو تشويه صورته في الإعلام، أو تزيينه بأكاذيبٍ منمقة كي يبدو مقبولًا فهي تعرف أن الواقع يتداعى، وأن ما تسميه “نجاحًا” ليس سوى هياكل خاوية تُلمّعها الكلمات، لكنها تواصل الكذب على نفسها لأنها تخشى السقوط أكثر من أي شيء فالاعتراف يعني المساءلة، والمساءلة تعني التغيير، والتغيير يعني أن تفقد امتيازاتك، وألقابك، وصورتك المزيفة التي بنيتها عبر سنواتٍ من التطبيل المتبادل.

هكذا تتكون المنظومات العاجزة جدرانٌ من الخوف، سقفٌ من الغرور، وأرضٌ من الفساد فتدور داخل حلقةٍ مغلقة من التبرير والتزييف والتناسيزفترى الانهيار في عيون الناس، تسمع أنين الفشل في لغة الشارع، تشاهد الأرقام تتساقط كالأوراق اليابسة، لكنها تختار أن تضع أصابعها في أذنيها وتغني لنفسها نشيد “الإنجازات” والكارثة أنها لا تخدع أحدًا سواها فالعالم من حولها يرى هشاشتها بوضوح، يدرك عبثها، ويعلم أنها تتحرك فقط لتبقى واقفة في مكانها، لكنّها تواصل الدوران حول ذاتها في دوامةٍ من الغرور المريض.

من يرفض الاستيقاظ لا يُوقظ بالمنطق، ولا يُنبهه الصراخ، ولا تُجديه الصدمات لأنه حين يختار الوهم مأوىً، تصبح الحقيقة بالنسبة له تهديدًا وجوديًا لذلك، حين تأتيها الحقائق صريحة، تردّ عليها بالإنكار، وحين يواجهها الواقع بأخطائها، تردّ بالهجوم، وحين يتحدث أحد بالعقل، تتهمه بالجهل أو الخيانة فهي لا تبحث عن الصواب، بل عن تبريرٍ للاستمرار في الخطأ فتتغذى على الوهم كما يتغذى الجسد على الهواء، فإذا انقطع عنها الأوكسجين الوهمي، اختنقت.

إن أخطر ما في هذه المنظومات أنها تُصدّر الوهم كنجاحٍ جماعي فتجعل الناس يصفقون لانتصاراتٍ ورقية، ويؤمنون بإصلاحاتٍ شكلية، ويعيشون داخل فقاعةٍ من الإنجازات الوهمية التي لا وجود لها إلا في التقارير الممهورة بالأختام فهي تصنع واقعًا مزيفًا حتى على مستوى الوعي الجمعي، فتغدو الأكاذيب قانونًا، والصمت فضيلة، والنقد خطيئة وبهذا، تتحول الشعوب إلى جمهورٍ مسلوب الإرادة، يصفق لمن يخدره، ويكره من يحاول أن يوقظه.

لكن الحقيقة قاسية لا تموت فقد تُؤجَّل، وقد تُغَطّى بطبقاتٍ من التضليل، لكنها لا تختفي وعندما تأتي لحظة السقوط، لا تنفع الشعارات ولا الخطابات ولا اللجان فتنهار المنظومة كما ينهار كل كيانٍ بنى مجده على الكذب وعندها فقط، يدركون أن الوهم لا يحمي، وأن من يرفض أن يستيقظ في لحظة الوعي، سيستيقظ تحت الركام.

إن النوم خيارٌ حين يكون الاستيقاظ مسؤولية، والذين يختارون البقاء في سباتهم لا يحتاجون إلى من يوقظهم، بل إلى من يكتب نعيهم بصدق لأن من يرفض الحقيقة لا يُنقذ، ومن يهرب من الوعي لا يُبرّأ، ومن يغلق عينيه خوفًا من الضوء، لا يستحق إلا أن يتيه في ظلامه الأبدي.

الكاتب من الأردن

قد يعجبك ايضا