الحلوى التي تُدخن: غفلة تربوية أم تواطؤ تجاري؟

بقلم: الدكتورة عبير بني طه  ….

مقدمة
في زمن تتعاظم فيه تأثيرات المنتجات التجارية على سلوكيات الأطفال، تبرز ظاهرة الحلوى المصممة على شكل سجائر كأحد أخطر الأمثلة على التلاعب بعقول الصغار. فهي منتجات تبدو في ظاهرها بريئة ومسلية، لكنها تحمل في باطنها رسائل تربوية ونفسية مقلقة، وتؤسس لسلوكيات مرفوضة في مجتمع يسعى إلى تنشئة جيل واعٍ وسليم نفسيًا وسلوكيًا.

أولاً: التأثير النفسي على الطفل
الحلوى التي تأخذ شكل السيجارة ليست مجرد تقليد شكلي، بل وسيلة خفية تخاطب العقل الباطن للطفل. فعندما يتناولها، يربط بين السيجارة والمتعة، وبين التدخين والتسلية، مما يكوّن في ذهنه صورة إيجابية زائفة عن التدخين. هذا الارتباط النفسي المبكر قد يؤدي إلى تطبيع فكرة التدخين وجعلها مقبولة لديه، فيسهل عليه تقليد الكبار لاحقًا دون إدراك لخطورة السلوك.

والطفل، بطبيعته الميّالة للتقليد، يسعى إلى محاكاة من حوله، خصوصًا الكبار الذين يعتبرهم قدوة. وعندما يرى أحدهم يدخن، ثم يتناول هو حلوى على شكل سيجارة، يشعر وكأنه يشاركهم السلوك ذاته، مما يعزز لديه الرغبة في التجربة الحقيقية لاحقًا. هذه المحاكاة المبكرة تشكّل تهديدًا حقيقيًا للصحة النفسية والسلوكية، وتؤسس لعادات يصعب التخلص منها مستقبلًا.

ثانيًا: الأثر التربوي وتقويض جهود التنشئة السليمة
تطرح هذه المنتجات تحديًا تربويًا كبيرًا أمام الأسرة والمدرسة. فكيف يمكن إقناع الطفل بأن التدخين ضار، بينما يجد في السوق حلوى تشبه السيجارة؟ هذا التناقض يربك عقل الطفل ويضعف الرسائل التربوية، إذ لا يستطيع التمييز بين ما هو مضر وما هو مقبول اجتماعيًا.

كما أن انتشار هذه الحلوى يقوّض سلطة المربي، ويضعف من فعالية التوجيهات الوقائية، ويفتح الباب أمام سلوكيات منحرفة اجتماعيًا. إن التساهل في السماح بتداولها بين الأطفال يُعدّ تواطؤًا غير مباشر في تطبيع التدخين وتمهيد الطريق لاعتياده في المستقبل.

ثالثًا: من المسؤول؟
المسؤولية هنا مشتركة بين أطراف متعددة:

– الشركات المصنعة التي تسعى وراء الربح دون أدنى اعتبار للأثر التربوي والنفسي.
– الجهات الرقابية التي تغيب عنها الرقابة الصارمة على المنتجات الموجهة للأطفال.
– الأسرة التي قد تجهل خطورة هذه الحلوى وتسمح لأطفالها بتناولها.
– المجتمع المدني والإعلام اللذان لم يفعّلا بعد دورهما التوعوي لمواجهة هذه الظواهر السلبية.

رابعًا: التوصيات والإجراءات المقترحة
لحماية أطفالنا من هذا الخطر المتخفي، لا بد من تحرك جاد يشمل ما يلي:

– سنّ تشريعات تمنع تصنيع واستيراد الحلوى التي تحاكي السلوكيات الضارة مثل التدخين.
– إطلاق حملات توعية تستهدف الأسر والمدارس لتوضيح مخاطر هذه المنتجات.
– تشجيع الصناعات الغذائية على تقديم بدائل آمنة تدعم التنشئة السليمة وتحترم خصوصية الطفولة.
– تعزيز دور الإعلام في كشف هذه الظواهر وتسليط الضوء على آثارها التربوية والنفسية.

خاتمة
إن الحلوى التي تُدخن ليست مجرد منتج غذائي، بل رسالة تربوية مشوّهة تتسلل إلى وعي الطفل وتزرع بداخله سلوكيات خطيرة. مسؤوليتنا كمجتمع تبدأ بالوعي وتنتهي بالفعل، لحماية جيل المستقبل من التطبيع مع السلوكيات الضارة تحت غطاء “اللعب والتسلية”.
حان الوقت لنتحرك بجدية، قبل أن يتحول التقليد البريء إلى عادة مدمّرة.

بقلم: الدكتورة عبير بني طه
11/11/2025

الكاتبة من الأردن

قد يعجبك ايضا