فادي السمردلي يكتب: فوضى تحت القبة تهز صورة المجلس

بقلم فادي زواد السمردلي  …..

 

*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*

لم يكن المشهد الذي شهده مجلس النواب الأردني اول أمس مشهداً عابراً يمكن تجاوزه بتصريح رسمي أو تبرير بروتوكولي فما جرى تحت القبة كان انعكاساً صارخاً لحالة التراجع التي يعيشها العمل النيابي في البلاد، وانكشافاً مؤلماً لمدى انزلاق الخطاب البرلماني من ساحة النقاش الجاد إلى مسرح الفوضى والانفعال الشخصي فقد تحولت الجلسة، التي خُصصت لتشكيل اللجان الدائمة ومناقشة التوافقات بين الكتل، إلى ساحة من الصياح والمقاطعات، حيث تداخلت الأصوات وارتفعت حدة التوتر إلى درجة دفعت رئيس المجلس إلى رفع الجلسة بعد أن فقد السيطرة على النظام داخل القاعة ففي تلك اللحظة، لم يكن المجلس يبدو كمؤسسة دستورية تمثل إرادة الشعب، بل كقاعة مشاحنات يختلط فيها الغضب بالعبث، والهيبة بالضجيج.

الفوضى لم تكن وليدة لحظة انفعال عابرة، بل نتيجة تراكمات طويلة من سوء التنظيم وغياب الانضباط الحزبي والمهني داخل المجلس فقد انكشفت بوضوح هشاشة البنية السياسية للكتل النيابية، التي بدت عاجزة عن إدارة خلافاتها فالخلاف على عضوية اللجنة القانونية – وهو خلاف يفترض أن يُحلّ بالتصويت أو بالحوار الداخلي – تحوّل إلى معركة كلامية طاحنة تبادل فيها النواب الاتهامات بالإقصاء والتهميش وكأن كل نائب يتحدث باسم ذاته لا باسم ناخبيه، وكأن القبة التي وُجدت لتمثيل الشعب تحوّلت إلى منبر لتصفية الحسابات الشخصية واستعراض النفوذ السياسي وفي ظل غياب الانضباط والإدارة الحازمة للجلسة، فقدت الكلمات وزنها، واهتزّ معنى المجلس نفسه أمام أعين المواطنين الذين تابعوا هذه الفوضى بذهول وسخط.

لقد عرّت تلك الجلسة ضعف الأداء النيابي من جذوره، ليس فقط من حيث المضمون السياسي، بل من حيث السلوك العام والالتزام بأدبيات العمل البرلماني فحين يُرفع الصوت فوق النص، ويُستبدل النقاش الموضوعي بالصراخ، فإن المعنى الحقيقي للرقابة والتشريع يصبح مجرد شعار أجوف فالمواطن الأردني الذي كان ينتظر أن يسمع موقفاً واضحاً من النواب تجاه قضايا المعيشة والبطالة وغلاء الأسعار، وجد نفسه أمام مشهد نواب يتجادلون على لكسب مقاعد اللجان وكأنها ليست أدوات وجدت لخدمة المصلحة العامة فهذه الصورة لم تمسّ فقط هيبة المجلس، بل وجّهت ضربة قاسية لمفهوم “التمثيل الشعبي” نفسه، إذ شعر المواطن بأن من يفترض أن يتحدثوا باسمه غارقون في خلافاتهم الصغيرة، بعيداً عن هموم الناس وأولويات الدولة.

الأخطر من ذلك أن هذه الفوضى تركت أثراً عميقاً في الوعي العام، إذ عززت فكرة أن البرلمان فقد قدرته على أن يكون صوت الشعب أو رقيب السلطة التنفيذية فتداول الأردنيون مقاطع الجلسة على وسائل التواصل الاجتماعي بسخرية لاذعة، وراحوا يتساءلون كيف يمكن لمجلس لا يضبط نفسه أن يضبط أداء الحكومة؟ تلك السخرية لم تأتِ من فراغ، بل من خيبة أمل متراكمة تجاه أداء نيابي لا يرتقي إلى مستوى التحديات الوطنية فصورة المجلس وهو يغرق في الفوضى ليست مجرد مشهد إعلامي، بل مؤشر خطير على أزمة عميقة في الثقافة السياسية، حيث يغيب احترام المؤسسة ويتراجع الوعي بدور النائب ومسؤوليته الأخلاقية والوطنية.

ما حدث بالأمس يجب ألا يُقرأ على أنه حادثة معزولة، بل كتحذير صريح من انهيار المعايير التي يقوم عليها العمل النيابي. إن المجلس الذي يفقد هيبته أمام المواطنين يفقد تلقائياً قدرته على التأثير في القرار الوطني، ويصبح مجرد إطار شكلي في نظام سياسي متعب فإذا لم يُدرك النواب أنفسهم أن هيبة المجلس تُبنى بالانضباط لا بالصراخ، وبالاحترام لا بالاستعراض، فإن كل حديث عن الإصلاح السياسي سيظل بلا معنى فالفوضى التي شهدناها تحت القبة لم تهزّ فقط جدران البرلمان، بل هزّت ثقة الشارع في أن الديمقراطية الأردنية تسير على الطريق الصحيح وما لم يتم استخلاص العبر من هذا المشهد المؤسف، فإن القبة التي كان يفترض أن تكون رمزاً للسيادة الشعبية ستتحول إلى مرآة عاكسة لواقع سياسي مرتبك، يصرّ على الدوران في حلقة الصراخ ذاتها، دون رؤية، دون هيبة، ودون وعي بحجم الأمانة التي يحملها من يجلسون تحتها.

الكاتب من الأردن

قد يعجبك ايضا