*الصهيونية: المصطلح، النشأة، التطور والوسائل*
د. أحمد العرامي …..
الصهيونية حركة عنصرية نشأت في أوروبا في القرن التاسع عشر، هدفها إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، ثم إلى مشروع توسعي لتصبح أداة للهيمنة السياسية والاقتصادية فيما يسمى بالشرق الأوسط.
ظهر مصطلح “الصهيونية” نسبة للتوراة، واستخدم لأول مرة بشكل سياسي في أواخر القرن التاسع عشر على يد اليهودي النمساوي تيودور هرتزل الذي يُعد المؤسس الفعلي للحركة الصهيونية . نشر هرتزل عام 1896 كتابه الشهير “الدولة اليهودية” الذي دعا فيه إلى إقامة كيان يهودي مستقل يجمع الشتات اليهودي تحت سلطة واحدة، معتبراً أن معاداة السامية في أوروبا لن تزول إلا بوجود دولة خاصة باليهود.
عُقد أول مؤتمر صهيوني عالمي في مدينة بازل بسويسرا عام 1897، وتم خلاله وضع البرنامج الصهيوني الذي نص على “إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين بضمانة القانون العام”. ومنذ ذلك الحين، تحولت الصهيونية من فكرة إلى حركة منظمة تمتلك مؤسسات مالية وإعلامية وسياسية تعمل على تحقيق أهدافها. وقد استفادت الحركة من الظروف الدولية آنذاك، خاصة ضعف الدولة العثمانية، وصعود الدول الأوروبية التي كانت تبحث عن موطئ قدم في الشرق العربي والإسلامي
في عام 1917 تحقق أول تحول احتلالي سياسي كبير حين أصدرت بريطانيا وعد بلفور الذي تعهد بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، رغم أن بريطانيا لم تكن تملك الحق في منح أرضٍ لشعبٍ آخر. ومع الانتداب البريطاني على فلسطين بعد الحرب العالمية الأولى، بدأت الصهيونية تنفذ مشروعها عملياً عبر دعم الهجرة اليهودية إلى فلسطين وشراء الأراضي وإقامة المستوطنات.
برزت الصهيونية بعد الحرب العالمية الثانية مع زرع الكيان الإسرائيلي عام 1948، إذ انتقلت من حركة تسعى إلى إقامة الكيان خلفها منظومة دولية تسعى إلى ترسيخها وحمايتها. واستطاعت من خلال الدعم الغربي، وخاصة الأمريكي، أن تجعل للعدو الصهيوني قاعدة متقدمة للمصالح الغربية في المنطقة. ومع الوقت تحولت الصهيونية إلى عقيدة توسعية تقوم على فكرة “إسرائيل الكبرى” التي تمتد من النيل إلى الفرات، وهي فكرة تستند إلى تفسيرات دينية مشوهة وتخدم أهدافاً سياسية واقتصادية.
اعتمدت الصهيونية في مسارها على وسائل متعددة لتحقيق أهدافها، أهمها الإعلام الذي لعب دوراً رئيسياً في ترويج سرديتها وتزييف الحقائق التاريخية، وتقديم إسرائيل للعالم على أنها “الديمقراطية الوحيدة في المنطقة “. كما استخدمت النفوذ المالي والمصرفي لبناء شبكة دعم قوية في مراكز القرار العالمي، خاصة في الولايات المتحدة وأوروبا. وامتلكت نفوذاً واسعاً في المؤسسات الدولية، واستطاعت من خلاله فرض رؤيتها وتشويه صورة كل من يعارضها، حتى أطلقت تهمة “معاداة السامية” على كل من ينتقد سياساتها.
إلى جانب ذلك، لجأت الصهيونية إلى القوة العسكرية والاغتيالات والإرهاب المنظم ضد الفلسطينيين والعرب والمسلمين، فارتكبت المجازر، وهدمت القرى، واغتالت القادة والمثقفين، وواصلت سياسات الاحتلال والاستيطان لتغيير ديموغرافية الأرض وطمس هويتها العربية الإسلامية. كما توسعت في بناء شبكات استخباراتية عالمية لجمع المعلومات وضمان السيطرة الأمنية والسياسية.
لم تعد الصهيونية مجرد حركة تخص اليهود، بل تحولت إلى منظومة فكرية وسياسية عابرة للأديان والقوميات، تتبناها قوى غربية تسعى لإبقاء إسرائيل متفوقة عسكرياً واقتصادياً وسياسياً. وقد تطورت وسائلها مع تطور التكنولوجيا، فباتت تستخدم الإعلام الرقمي، والتأثير في الرأي العام، وحملات العلاقات العامة، والسيطرة على الخطاب الأكاديمي والإعلامي لتبرير الاحتلال وشيطنة المقاومة.
إن الصهيونية ليست فكرة دينية بقدر ما هي مشروع احتلالي عنصري، هدفه تفكيك الوطن العربي والعالم الإسلامي وإضعافه، والسيطرة على موارده وموقعه الجغرافي. ومع كل مرحلة من التاريخ تتبدل أدواتها لكنها تبقى متمسكة بجوهرها: التفوق، والاحتلال، والإقصاء، وإنكار الآخر.
لقد أسست الصهيونية كياناً يعيش على العدوان ويستمد شرعيته من القوة لا من الحق، وما تزال تمثل أخطر أداة لتكريس الاستعمار الحديث في منطقتنا العربية والإسلامية.
الكاتب من اليمن