فادي السمردلي يكتب:الرواتب بين وعود النواب وقيود الدستور قرار خارج القبة

بقلم فادي زواد السمردلي  ….

*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*

في كل شتاء سياسي جديد، تعود قصة الرواتب لتشعل الجدل في الشارع الأردني فالمواطن ينتظر بشغف أن يسمع خبرًا عن زيادة في راتبه، والنواب يتحدثون عن تحسين الأوضاع المعيشية وضرورة رفع الأجور، فيما الدستور يقف كجدار صلب يفصل بين الرغبة والقدرة فالحقيقة التي يعرفها الجميع، ويتجاهلها البعض أحيانًا، أن مجلس النواب لا يملك صلاحية رفع الرواتب من خلال الموازنة العامة، مهما ارتفعت الأصوات أو تكررت المطالب.

المادة (112) من الدستور الأردني لا تترك أي مجال للتأويل فهي تنصّ بوضوح على أن الحكومة وحدها هي التي تُعد وتقدّم مشروع الموازنة العامة للدولة، وأن مجلس الأمة لا يجوز له أن يزيد في تقديرات الإيرادات أو النفقات. وبمعنى أوضح، لا يستطيع النواب أن يضيفوا دينارًا واحدًا على بند الرواتب، حتى لو أجمعوا جميعًا على ضرورة ذلك.

ومع ذلك، يتكرر المشهد ذاته كل عام فالنواب يتحدثون تحت القبة عن معاناة المواطنين، وعن ضرورة إعادة النظر في سلم الرواتب، وعن الفجوة بين الدخل وتكاليف المعيشة، بينما الحكومة تردّ بلغة الأرقام والعجز وبين تلك الأرقام، يضيع الأمل الشعبي الذي ينتظر شيئًا ملموسًا لا يأتي.

الناس في الشارع لا يعنيهم من يمتلك الصلاحية القانونية فما يهمهم هو أن رواتبهم لم تعد تكفي، وأن الأسعار ترتفع يومًا بعد يوم ولذلك، حين يسمعون نائبًا يتحدث عن “الوقوف مع المواطنين”، يتوقعون نتائج، لا تصريحات. لكن النواب، مهما حاولوا، يقفون أمام جدار لا يمكن تجاوزه، لأن القرار المالي بيد الحكومة، لا البرلمان.

الكثير من النواب حاولوا عبر السنوات الماضية كسر هذه الصورة النمطية، فقدموا توصيات للحكومة، أو دعوا إلى تشكيل لجان لمراجعة الرواتب، لكن كل ذلك يبقى في إطار التوصية فقط فالحكومة قد تستمع أو لا تستمع، وقد تعد بإعادة الدراسة، لكنها في النهاية صاحبة القرار.

وهنا تكمن المعضلة السياسية المواطن يحمّل النواب مسؤولية ضعف الرواتب، بينما النواب لا يملكون الأداة القانونية لتغييرها فهذا الخلل في الفهم العام يجعل الثقة بالبرلمان تهتزّ مع كل دورة جديدة، ويجعل الشارع يرى في النقاشات النيابية مجرد استعراض سياسي لا يغيّر شيئًا في الواقع.

حتى عندما يلوّح بعض النواب بعدم التصويت على الموازنة، يظل ذلك موقفًا رمزيًا، لأن إسقاط الموازنة يعني أزمة وطنية لا أحد يرغب بها. لذلك، يضطر أغلبهم في النهاية إلى التصويت على الموازنة رغم اعتراضهم، مبررين ذلك بأنهم “لا يريدون تعطيل الدولة”. وهكذا تبقى الحلقة مفرغة فقط اعتراض، نقاش، تصويت، ثم لا شيء يتغيّر.

القضية في جوهرها ليست في النوايا، بل في النظام المالي نفسه فالموازنة العامة في الأردن تعدّها وزارة المالية بدقة شديدة وفق حسابات الإيرادات والعجز والدين، وتصل إلى مجلس النواب في صورتها شبه النهائية فالنواب يناقشونها، يراجعونها، يعترضون، لكنهم لا يستطيعون رفع الرواتب أو إضافة بنود جديدة. فالدستور يمنعهم من تجاوز الخط الأحمر الذي يفصل بين الرقابة والتشريع من جهة، والإنفاق والتنفيذ من جهة أخرى.

ورغم هذه الحقيقة، يستمر الجدل في الشارع، بالرغم أن المجلس لا يستطيع تعديل الرواتب. وربما السبب في ذلك أن الأردني بطبيعته يريد أن يرى فعلاً، لا تفسيرًا قانونيًا ويريد نائبًا يرفع صوته ، لا نائبًا يشرح له حدود صلاحياته. لكن الواقع لا يرحم الشعارات، والنصوص لا تُكسر تحت ضغط الغضب الشعبي.

في نهاية المطاف، تبقى الرواتب ملفًا حكوميًا بحتًا، مهما حاول النواب التدخل فيه فدورهم ينحصر في المطالبة والضغط السياسي، لا في اتخاذ القرار المالي أما المواطن، فهو الضحية الدائمة بين وعود النواب وحدود الدستور. فالأولون يريدون، والآخر يمنع، والنتيجة واحدة الرواتب كما هي، والمعيشة تزداد صعوبة عامًا بعد عام.

هذا هو المشهد الأردني في كل موسم موازنة وعود تُقال، آمال تُعلّق، ونصوص لا تُكسر. وبين القبة والشارع، تبقى الرواتب خارج يد النواب، رغم كل الأصوات التي تحاول أن تمدّها إليها.

الكاتب من الأردن

قد يعجبك ايضا