فادي السمردلي يكتب : الضجيج لتشتيت الانتباه سلاح المنظومات الفاشلة
بقلم فادي زواد السمردلي …..
*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*
👈 *المقال يصوّر حالة عامة، وأي تشابه عرضي مع أشخاص أو وقائع حقيقية غير مقصود.*👉
في عالمٍ تتزاحم فيه الأصوات والصور والرسائل، لم يعد الضجيج مجرد حالة عابرة من الصخب، بل صار أداةً واعية تستخدمها المنظومات لإخفاء ضعفها وتغطية إخفاقاتها فهذه المنظومات، سواء كانت سياسية أو إعلامية أو اقتصادية، برأيها أن الجماهير يمكن أن تُقاد بالضوء والضوضاء أكثر مما تُقاد بالمنطق والحقائق فابتكرت شكلاً جديداً من السيطرة، لا يعتمد على القوة المباشرة، بل على الإغراق في الضجيج لتشتيت الانتباه، حتى لا يبقى للعقل فرصةٌ للتفكير أو السؤال.
تتخذ هذه المنظومات من البريق واجهةً لواقعٍ متصدع فتُغرق الناس بخطاباتٍ مفعمة بالشعارات والوعود، تنثر كلماتٍ كبيرة مثل “الوطني” و“النهضة” و”الإنجاز” و”الاستقرار”، بينما الواقع خلف الكواليس ينهار بصمت فحين يقترب أحد من كشف الفشل أو طرح تساؤلٍ جاد تبدأ محاولة الابعاد او الإقصاء، فترتفع أصوات المدافع الإعلامية الموالية واصوات جماعة الموالاه لتملأ الفضاء بضجيجٍ جديد حملة دعائية ضخمة، قضية مفتعلة، أزمة جانبية تُشغل الرأي العام، أو احتفال مبالغ فيه بإنجازٍ لا قيمة له والمهم أن يبقى الجميع منشغلاً، فلا يسمع أحد صوت الحقيقة وسط الجلبة المقصودة.
هذه المنظومات تعرف تماماً أن الجمهور إذا توقف لحظةً واحدة عن المتابعة والانبهار، سيبدأ بالتساؤل، والسؤال أخطر ما يمكن أن تواجهه منظومة تقوم على الوهم لذلك، تصنع ضجيجاً مستمراً يشبه هديراً لا يتوقف، يجرف معه وعي الناس، ويجعلهم يلهثون خلف الأحداث دون أن يدركوا معناها فكل ضجيج جديد يمحو أثر الضجيج الذي سبقه، فتظل الذاكرة الجمعية في حالة اضطرابٍ دائم، لا تهدأ لتفكر، ولا تصحو لتفهم.
والأدهى أن هذه المنظومات تُجيد تغليف ضجيجها بثوبٍ من الجاذبية فالكلمات تُنتقى بعناية، والمشاهد تُصمم لتُدهش، والأصوات تُرفع لتُخيف أو تُغري، بحسب الحاجةوفالضجيج هنا ليس فوضى، بل عملية مدروسة، يُنفق عليها بسخاء، لأنها تُبقي الواجهة لامعة وإن كان الداخل متعفناً إنها سياسة “الإنجاز الصوتي”، حيث يكفي أن يُقال الكثير، حتى لو لم يُفعل شيء.
لكن الضجيج لا يدوم، وإن طال فحين تهدأ الموجة ويُسحب البساط من تحت الأضواء، يظهر ما كانت المنظومات تحاول إخفاءه فراغٌ هائل، وواقعٌ مُهمل، وجمهورٌ خُدع زمناً طويلاً بالصخب فالفشل لا يُمحى بالصوت، كما لا يُغطى العجز بالألوان فكل ضجيجٍ مؤقت، وكل منظومةٍ تقوم عليه، تُؤجِّل لحظة المواجهة لكنها لا تُفلت منها.
الضجيج لتشتيت الانتباه هو مرآة تكشف طبيعة المنظومات ، تلك التي تتقن فن التجميل أكثر من فن البناء، وفن الإلهاء أكثر من فن الإدارة. إنها منظومات تعرف كيف تتحدث، لكنها لا تعرف كيف تعمل ومع الوقت، يُصبح صوتها الأعلى، لكنه أيضاً الأكثر فراغاً لأن الحقيقة، مهما تأخرت، لا تحتاج إلى ضجيج كي تُسمع.
الكاتب من الأردن