الوطن ليس مزاجا ورغبة وإنما هو عشق وفطرة
بقلم العميد المتقاعد هاشم المجالي
………………..
الوطن يا سادة… ليس فنجان قهوة نختار مذاقه، ولا هو معطف نرتديه إذا أعجبنا شكله ونخلعه إذا ضاق بنا. الوطن — وحسبي ما أقول — شيءٌ يجري في العروق كما يجري الدم، ويلازم الروح كما يلازم الظل صاحبه، لا نستطيع منه فِرارًا ولا نملك معه خيارًا.
ولكن العجب — وكل العجب — من أقوامٍ إذا انتقدتَ سياسةً، أو لُمتَ مسؤولًا، أو أبديتَ رأيًا في تصريحٍ خرج من فم أحد ذوي المناصب، ثاروا عليك ثورةَ الجاهلية الأولى، وكأنك قد هتكت أستار الكعبة، أو دنّست محرابًا من محاريبهم المقدّسة التي لا يطولها النقد ولا يقرُبها العقل.
تقول كلمة لله وللوطن، فإذا بأبناء العم والخال والعشيرة يخرجون عليك كما تخرج السيوف من أغمادها، يصرخون في وجهك: “أكفرتَ؟!”، وكأنك — ما شاء الله — ارتكبتَ جريمةً تهزّ العروش وتهدم السماوات!
وهم — سبحان مَن جمع فيهم غرائب الطباع — يسحجون لك ويصفقون بحرارة إن كنت تنتقد غيرهم، فإذا جاء الدور على “ولدهم” صار الحق باطلًا والباطل حقًا، وصار رأيك خيانةً وطعنك في الخاصرة!
ولقد حدث — وأشهد الله أني ما قلت إلا صدقًا — أننا انتقدنا تصريحًا نُسب إلى رجل الأعمال الأردني المهندس زياد المناصير؛ رجل نُجلّه ونحترمه ونقرُّ بأنه أحد أعمدة اقتصادنا. وما علمنا صحة التصريح من عدمها، لعلها لعبة إعلامية أراد بها بعضهم أن يلفت الأنظار أو يرسل إشارات إلى مَن بيده القرار.
وما إن قلنا كلمة النقد — كلمة لا سباب فيها ولا طعن — حتى خرجت علينا التعليقات من كل فجٍّ عميق: هذا ابن عمه، وذاك موظف عنده، وثالث يخشى أن يَفصِله المدير، ورابع يريد أن يُظهر ولاءه قبل أن يُظهر رأيه!
وكأن لسان حالهم يقول: “قلْ ما شئتَ في الدنيا… إلا في قريبنا!”
فإذا انتقدتَه — ولو بحق — أصبحتَ عندهم مارقًا خارجًا من الملّة، لا يشفع لك أنك أردني، ولا أنك محبّ للوطن، ولا أنك ما قلتَ إلا لما فيه الصالح العام.
والعجب كل العجب…
أن الذين هاجموك اليوم، هم الذين كانوا يصفقون لك بالأمس حين وجّهت نقدك إلى الحكومة أو إلى مسؤولٍ بعيدٍ عن دمهم ونسبهم!
الكاتب من الأردن