النظام الفلسطيني القادم يفترض أن يكون نظاماً برلمانياً يلغي سلطة الفرد

بقلم د. تيسير فتوح حجّه. ….

الأمين العام لحركة عدالة
في ظل ما يعيشه الشعب الفلسطيني من تحولات سياسية واجتماعية عميقة، وما تتعرض له قضيته الوطنية من ضغوط متشابكة، بات من الضروري إعادة النظر في شكل نظام الحكم القائم، وتجاوز النمط التقليدي الذي ركّز السلطات في يد الفرد مهما كانت النيات، ومهما كان الإطار السياسي الذي يعمل ضمنه. التجربة الطويلة التي خاضتها مؤسساتنا خلال العقود الماضية تشير بوضوح إلى أن النظام الرئاسي بصيغته الحالية لم يعد قادراً على الاستجابة لمتطلبات المرحلة، ولا على إنتاج حياة سياسية صحية أو منظومة مساءلة حقيقية.
أولاً: لماذا النظام البرلماني؟
النظام البرلماني لا يقوم على بطولة الفرد، بل على شراكة المؤسسات. هو نظام يقوم على توازن السلطات، ويجعل الحكومة منبثقة عن إرادة الشعب عبر ممثليه في البرلمان، ويخضعها لرقابة صارمة تمنع تغوّل السلطة التنفيذية أو تحولها إلى مركز قرار فردي.
النظام البرلماني يخلق حالة سياسية دائمة من الحوار والتفاوض والمسؤولية المشتركة، ويُخرجنا من عقلية “الرجل الواحد” التي عطّلت التطور الديمقراطي وأضعفت المشاركة الشعبية.
ثانياً: تعزيز الشرعية عبر الإرادة الشعبية
في النظام البرلماني، الحكومة تُحاسَب يومياً، والوزير الذي يفشل يرحل، والحكومة التي تفقد ثقة النواب تسقط فوراً دون الحاجة لأزمات دستورية طويلة. هذا يعزز ثقة المواطن، ويعيد الاعتبار لصوته، ويجعل صناديق الاقتراع هي الحكم والفيصل.
هذا النموذج ضروري لشعب يقاتل من أجل تقرير مصيره، لأن الشرعية السياسية ليست ترفاً، بل عنصر قوة في مواجهة الاحتلال ومشاريعه.
ثالثاً: إنهاء حالة الشخصنة في القرار السياسي
الانتقال إلى نظام برلماني هو الطريق الطبيعي لإنهاء “شخصنة” القرار، وإعادة الاعتبار للمؤسسات. ليس المطلوب أن يختفي دور القادة، بل أن يصبحوا جزءاً من منظومة متوازنة لا يمكن فيها لأحد أن يحتكر القرار الوطني أو يختصر الشعب في شخصه.
نظامنا القادم يجب أن يُبنى على عقل جماعي، وإدارة واعية، وحكومة تخدم الشعب وليس العكس.
رابعاً: موقف حركة عدالة
حركة عدالة تؤمن أن الإصلاح السياسي ليس خطوة تجميلية بل ضرورة وطنية. نحن ندعو بوضوح إلى:
اعتماد نظام برلماني كامل يقوم على حكومة منتخبة من البرلمان وخاضعة لرقابته.
تعزيز استقلال القضاء ليكون حَكَماً لا تابعاً لأي سلطة.
تعديل القوانين الأساسية بما يضمن فصل السلطات ومنع تغوّل أي طرف.
إطلاق حياة سياسية مفتوحة تتيح للأحزاب أن تمثل قواعدها الشعبية بوضوح وشفافية.
هذا التوجه لا يستهدف أحداً، بل يهدف إلى خدمة فلسطين أولاً، وخلق نظام سياسي قادر على حماية المشروع الوطني من الانقسام والتفرد.
خامساً: نحو عقد سياسي جديد
إن بناء النظام البرلماني ليس شعاراً، بل مشروع عمل كامل يتطلب إرادة وطنية، وإجماعاً على أن زمن الفرد قد انتهى، وأن مستقبل فلسطين يحتاج إلى مؤسسات قوية، وقيادة جماعية، وديمقراطية حقيقية، لا إلى إعادة إنتاج ذات الأزمات التي عشناها لسنوات طويلة.
إن النظام الفلسطيني القادم يجب أن يكون نظاماً برلمانياً يعكس تطلعات الشعب ويعيد بناء الثقة المفقودة، ويفتح الباب أمام جيل جديد من القادة والمبادرات الوطنية.
فلسطين أكبر من الفرد، وأعمق من أن تُدار بقرار واحد أو عقل واحد.

الكاتب من فلسطين

قد يعجبك ايضا