“من فوّضكم؟!.. الشعب الفلسطيني يرفض التنازل ويتشبّث بحقه الكامل في كل أرضه”

محي الدين غنيم   …..

 

في زمنٍ تتكاثر فيه الطاولات الدبلوماسية وتتناسل فيه المبادرات السياسية، يخرج البعض ليعلن وكأنه وصيٌّ على الوجدان الوطني الفلسطيني أن “الشعب الفلسطيني يقبل بحلّ الدولتين”. لكن الحقيقة التي يحاول كثيرون طمسها أن الفلسطيني لم يفوّض أحداً للتنازل، ولم يوقّع صكّ استسلام، ولم يقبل أن يتحول إلى شاهد زور على اقتطاع وطنه وتحويل قضيته إلى ملفّ تفاوضي بارد.

الفلسطيني الذي يدفع ثمن الاحتلال كل يوم شهداء وأسرى وحصاراً وإقتلاعاً وتهجيراً لا يحتاج لمن يترجم موقفه.

موقفه مكتوب بالدم والوجدان: لا تنازل عن الأرض، ولا شرعية لأي تسوية تنتزع الحق التاريخي في فلسطين من بحرها إلى نهرها.

الحديث عن “حلّ الدولتين” أصبح بالنسبة للشارع الفلسطيني استعارة مُهينة؛ عنواناً لصفقة تفرض بالقوة، أو غطاءً سياسياً لإطالة عمر الاحتلال ومنحه شرعية زائفة. فمنذ ثلاثة عقود والعالم يروّج لهذه الوصفة الفاشلة التي لم تُقدّم للفلسطيني إلا المزيد من الاستيطان والقتل والتهجير. فكيف يُقال إن الشعب يقبل بها؟ ومن يجرؤ على إصدار تفويض باسمه؟

الفلسطيني، سواء كان تحت الاحتلال، أو في المنافي، أو في مخيمات اللجوء، يعرف تماماً أن الأرض ليست بنداً تفاوضياً، وأن الحقّ لا يُنتزع بالتقادم. لذلك يرفض كل خطاب يحاول تحميله مسؤولية “عقلنة القضية” أو “الواقعية السياسية”. واقعيته الوحيدة هي أنه صاحب الأرض، ومالك الحق، ووريث التاريخ.

إن من يتحدثون باسم الشعب الفلسطيني دون تفويض، ويقدّمون تنازلات مجانية تحت عنوان “حلّ الدولتين”، يتجاهلون حقيقة كبرى: لا يمكن لأي قيادة أو مؤسسة أو دولة أن تسقط حقّ شعبٍ كامل، ولا يمكن لأي جهة أن تمنح الاحتلال ما لم يستطع انتزاعه بقوة السلاح.

الشعب الفلسطيني هو صاحب القرار الأول والأخير، وهو الذي دفع أثماناً باهظة ليحافظ على هوية الأرض وكرامة القضية. ومن يعجز عن سماع صوته فليصغِ إلى لغة الشهداء، وإرادة المقاومين، وصمود الأمهات، ووجع المخيمات… فهذه هي صناديق الاقتراع الحقيقية التي حدّدت الموقف منذ عشرات السنين.

فلسطين ليست صفقة سياسية. ليست مشروع دولتين ولا ثلاث. وليست ملكاً لوفدٍ أو اجتماعٍ أو بيان.
فلسطين حقٌّ كامل لشعبٍ كامل، ومن يظن أنه يستطيع التنازل عنها نيابةً عن أصحابها الحقيقيين فليعلم أن الشعب الفلسطيني لم يفوّض أحداً… ولن يفعل.

الكاتب من الأردن

قد يعجبك ايضا