فادي السمردلي يكتب: أزمة المرور في الأردن تحديات معاصرة وحلول مستدامة
بقلم فادي زواد السمردلي ….
*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*
تعد أزمة السير في الأردن، وخاصة في العاصمة عمّان والمدن الكبرى، واحدة من أبرز التحديات الحضرية التي تؤثر بشكل مباشر على حياة المواطنين اليومية فالازدحام المروري أصبح جزءًا من الروتين اليومي، إذ يقضي المواطنون ساعات طويلة في التنقل، مما يؤثر على صحتهم النفسية، ويقلل من إنتاجيتهم، ويزيد من التكاليف الاقتصادية نتيجة الهدر في الوقت والوقود ولم تعد هذه المشكلة مجرد زحمة مؤقتة، بل باتت أزمة مركبة تتطلب معالجة متكاملة تجمع بين التخطيط العمراني، وتطوير البنية التحتية، وتعزيز النقل العام، ورفع مستوى الوعي المجتمعي.
تتعدد أسباب تفاقم أزمة السير في الأردن، أولها النمو السكاني السريع الذي لم يتزامن مع تطوير شبكة الطرق ووسائل النقل العام ففي الوقت الذي تزداد فيه أعداد المركبات بشكل مستمر، يبقى الاعتماد شبه الكامل على السيارات الخاصة هو الخيار الأكثر شيوعًا للتنقل بسبب ضعف البنية التحتية للنقل الجماعي، وعدم كفاءة الحافلات أو وسائل النقل البديلة وتضيف الطرق الضيقة، والتقاطعات غير المخططة، ونقص الجسور والأنفاق صعوبة إضافية أمام حركة المرور، بينما تلعب السلوكيات الفردية للسائقين، مثل تجاوز الإشارات وعدم الالتزام بالمسارات وقوانين السير، دورًا مباشرًا في تفاقم الأزمة فكل هذه العوامل تجعل من أزمة السير قضية معقدة لا يمكن حلها بإجراءات مؤقتة أو حلول سطحية.
وتتجاوز تداعيات أزمة السير الجانب المروري فقط، لتشمل أبعادًا اقتصادية واجتماعية وبيئية فعلى المستوى الاقتصادي، يعادل الوقت الضائع في الزحام ساعات عمل يمكن استثمارها في الإنتاج، كما يزيد من استهلاك الوقود وتكاليف النقل بشكل عام أما على الصعيد الاجتماعي، فإن الازدحام يرفع مستويات التوتر والضغط النفسي بين المواطنين، ويزيد من احتمالية وقوع الحوادث المرورية، مما ينعكس سلبًا على سلامتهم. ومن الناحية البيئية، فإن توقف المركبات لساعات طويلة يؤدي إلى زيادة الانبعاثات الضارة مثل ثاني أكسيد الكربون والجسيمات الدقيقة، وهو ما يفاقم مشكلة تلوث الهواء ويؤثر على الصحة العامة.
لمعالجة هذه الأزمة بشكل فعّال، من الضروري تبني حلول شاملة ومتعددة المستويات ويُعد تطوير وسائل النقل العام خطوة أساسية للتقليل من الاعتماد على السيارات الخاصة، وذلك من خلال إنشاء خطوط حافلات سريعة، وتوسيع شبكات النقل الجماعي، واستحداث وسائل نقل حديثة مثل الترام أو المترو، مع ضمان انتظامها وسهولة استخدامها من قبل المواطنين. وفي الوقت نفسه، يمكن أن يقلل تشجيع المشاركة في المركبات، أو ما يعرف بسياسات “Carpooling”، من عدد السيارات على الطرق خلال ساعات الذروة، مما يخفف الضغط على الطرق الرئيسية ويزيد من انسيابية المرور.
إلى جانب ذلك، يلعب تحديث البنية التحتية دورًا محوريًا في حل الأزمة ويشمل ذلك توسيع الطرق الرئيسة، وإنشاء جسور وأنفاق لتفادي التقاطعات المزدحمة، وتحسين الإشارات المرورية، بالإضافة إلى استحداث مسارات خاصة للحافلات والمركبات العامة لتسريع حركة النقل الجماعي وكما يظل التخطيط العمراني الذكي عنصرًا أساسيًا للحد من أزمات السير، من خلال توزيع الخدمات والمناطق السكنية بطريقة تقلل الحاجة للتنقل لمسافات طويلة، وإنشاء مراكز تجارية وخدمية بالقرب من المناطق السكنية لتخفيف الضغط على الشوارع.
ولا يمكن إغفال أهمية التوعية المرورية وتعزيز سلوكيات القيادة. فالحملات التوعوية المستمرة لتعليم قواعد المرور وتحفيز السائقين على الالتزام بها تقلل من الحوادث وتحسن انسيابية الحركة على الطرق وإلى جانب ذلك، فإن تطبيق القوانين بشكل صارم ووجود مراقبة دائمة يساهمان في ضبط حركة المركبات وتقليل التصرفات العشوائية التي تزيد من الأزمة.
في النهاية، أزمة السير في الأردن مشكلة متشابكة تتطلب تضافر جهود الحكومة والمواطنين معًا فالاعتماد على حلول جزئية لن يكون فعالًا إذا لم يتم دمجها في خطة شاملة تشمل تطوير النقل العام، وتحسين البنية التحتية، والتخطيط العمراني الذكي، وتعزيز الثقافة المرورية ومن خلال هذا النهج المتكامل يمكن للأردن تحقيق مدينة أكثر انسيابية، وتحسين جودة حياة المواطنين، وتقليل التأثيرات الاقتصادية والبيئية الناتجة عن الازدحام المروري.
الكاتب من الأردن