فادي السمردلي يكتب :استقالات تكشف هشاشة التوافقات… صراع النفوذ يهز لجان البرلمان
بقلم فادي زواد السمردلي ….
*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*
تشهد اللجان النيابية في مجلس النواب الأردني مرحلة غير مسبوقة من الارتباك والتفكك، بعد موجة استقالات واحتجاجات أعقبت ما عُرف بـ”التوافقات” التي رُوّج لها بوصفها ترتيبات ناضجة لتوزيع اللجان، لكنها في الواقع كشفت هشاشة البنية الداخلية للمجلس وعمق الخلافات بين مكوناته. الاستقالات التي برزت في أكثر من لجنة لا تمثل مجرد انسحاب عابر، بل تبدو كإعلان صريح عن أزمة ثقة داخلية تتجاوز الأشخاص واللجان لتضرب صميم آليات العمل البرلماني فالتوافقات التي يُفترض أنها أداة لتنظيم العمل النيابي تحولت إلى مادة خلافية، بعدما بدت وكأنها صفقات سريعة أكثر منها تفاهمات تستند إلى معايير مهنية أو توازنات سياسية مستقرة.
إن الظاهرة لا يمكن قراءتها بمعزل عن طريقة تشكيل اللجان نفسها، والتي كثيراً ما تُدار خلف الأبواب المغلقة في مساحات تفاوضية ضيقة، تُمنح فيها المواقع وفقاً لمعادلات النفوذ لا الاحتياجات التشريعية فهذه الطريقة خلقت شعوراً متزايداً لدى بعض النواب بأن دورهم في اللجان لا ينبع من خبرتهم أو منطقية توزيع الاختصاصات، بل من مزاج سياسي متقلّب تقوده تفاهمات آنية لا تراعي العدالة ولا الشفافية ومن هنا جاءت الاستقالات كرسائل سياسية حادة، بعضها احتجاج على ما يُعتبر “تهميشاً ممنهجاً”، وبعضها محاولة لإعادة ترتيب موازين القوى داخل المجلس، وبعضها الآخر تعبير عن رفض الخضوع لآليات يرى أصحابها أنها لا تتمتع بالحد الأدنى من الشرعية.
تتصاعد هذه الظاهرة في لحظة حساسة، حيث كان يفترض بالبرلمان أن يقدم نموذجاً مستقراً للعمل المؤسسي، فإذا به ينشغل في صراعات داخلية تُضعف قدرته على أداء دوره الرقابي والتشريعي ويبدو أن التوافقات، بدلاً من أن تعزز الانسجام، تسببت في انكشاف فجوة عميقة بين من يصنع القرار ومن يتحمل نتائجه ولأن اللجان تشكل العمود الفقري للعمل البرلماني، فإن أي اضطراب فيها ينعكس مباشرة على فعالية المجلس ككل فالاستقالات إذاً ليست حدثاً عابراً، بل مؤشر على أن توزيع السلطة داخل المجلس بات محل نزاع مفتوح، وأن النظام الداخلي لم يعد قادراً وحده على تنظيم اللعبة النيابية، بعد أن تجاوزتها الحسابات السياسية المعقدة.
اللافت أن هذه الأزمة لم تقتصر على لجنة أو اثنتين، بل امتدت لتطال لجاناً تُعد حجر الأساس في عملية الرقابة والتشريع، مما يعكس حجم الصراع على مراكز التأثير داخل البرلمان. وفي ظل غياب معايير واضحة لضبط التوافقات ومنع تحولها إلى صفقات مغلقة، يبدو المشهد النيابي متجهاً نحو مزيد من التوتر، خاصة مع ازدياد الحديث عن ضغوط وتوازنات تُفرض بعيداً عن القاعة العامة فهذا الواقع يفتح الباب أمام أسئلة صعبة حول جدوى التوافقات ذاتها، وحول قدرة المجلس على إنتاج آليات داخلية تحترم الكفاءة والاختصاص، بدلاً من تكريس ثقافة المحاصصة.
في المحصلة، لا يمكن تجاهل أن الاستقالات من اللجان باتت تعبيراً صارخاً عن مشهد نيابي مهتز، تحكمه الصفقات أكثر مما تحكمه الثوابت، ويغلب عليه السعي للنفوذ أكثر مما يغلب عليه الحرص على الدور التشريعي الحقيقي وإذا استمر التعامل مع اللجان بوصفها أدوات للصراع وليس منصات للعمل المهني، فإن البرلمان سيفقد تدريجياً قدرته على تمثيل الناس، وسيتحوّل إلى ساحة تنازع داخلي تستهلك طاقته بدلاً من أن توجهها نحو القضايا الوطنية الملحة.
الكاتب من الأردن