“سيداو… بوّابة الإنفلات أم اتفاقية مشوّهة أسِيءَ فهمها في الأردن؟ “

محي الدين غنيم  …..

منذ أن صادقت الأردن على اتفاقية سيداو منذ سنوات، اشتعل الجدل الشعبي والاجتماعي حول آثارها، بين من يراها خطوة حضارية نحو تمكين المرأة، وبين من يُحذّر من أنها فتحت أبواباً واسعة لتغييرات اجتماعية غير محسوبة. والحقيقة أن الأزمة لم تكن في الاتفاقية ذاتها بقدر ما كانت في طريقة تطبيق بعض بنودها، والتأويلات التي تجاوزت خصوصية المجتمع الأردني وقيمه الراسخة.

لقد شعر جزء من المجتمع بأن بعض مضامين سيداو بعد إدخال تعديلات وتشريعات مرتبطة بها منحت مفهوماً للتحرر لا ينسجم مع البنية الاجتماعية الأردنية، ولا مع الأعراف التي لطالما شكلت شبكة أمان أخلاقية للعائلة. فبرزت حالات فردية اتخذت من “الحقوق” غطاءً لتمزيق الأسرة، أو لتعطيل دور الآباء والأمهات في التوجيه، أو لتقديم قراءة متشددة تضع الرجل في موضع الاتهام الدائم والمرأة في موضع الضحية الدائمة، بما لا يعكس الواقع ولا ينسجم مع قيم العدالة الحقيقية.

إن الخوف الأكبر لم يكن من تمكين المرأة ؛ فالمجتمع الأردني متمسك باحترام المرأة وحفظ كرامتها بل من تغوّل مفاهيم مستوردة تطبَّق بلا فهم لخصوصيتنا، وتفسيرات راديكالية دفعت نحو صدام بين أفراد الأسرة بدل أن تبني علاقة متوازنة تقوم على الاحترام والمسؤولية المشتركة.

وتشير أصوات كثيرة داخل المجتمع إلى أن التركيز على “التحرر المطلق” خلق حالة من الارتباك داخل بعض الأسر، وساهم في زيادة الخلافات الزوجية، وأوجد فجوة بين القيم التقليدية التي تحفظ تماسك المجتمع وبين خطاب جديد يقدّم الحرية الفردية على حساب مسؤولية الفرد تجاه أسرته ومجتمعه. وهو ما أفرز شعوراً عاماً بأن الاتفاقية تُستخدم أحياناً كأداة ضغط اجتماعي، لا كمنصة إصلاح حقيقي.

والأخطر أن هذا الجدل أوجد فجوة بين الدولة والمجتمع، إذ شعر بعض المواطنين بأن تطبيق بنود سيداو بدأ يلامس هندسة الهوية الاجتماعية والثقافية دون نقاش شعبي كافٍ، ودون إثراء وطني يحدد ما يُناسب الأردن وما لا يُناسبه.

اليوم… يحتاج الأردن إلى مراجعة هادئة وشجاعة، توازن بين حماية المرأة من كل أشكال الظلم وهذا واجب وطني لا نقاش فيه وبين الحفاظ على بنية الأسرة وهويتها، ومنع التأويلات المتطرفة التي تُدخل المجتمع في صدام مع ذاته.

إن القضية ليست رفضاً لحقوق المرأة، بل رفضاً لفرض نمط اجتماعي غريب عن الأردنيين.
وليست اعتراضاً على تمكين المرأة، بل اعتراضاً على تفسيرات تخلق صراعاً بدلاً من الشراكة.
وليست مواجهة مع الدولة، بل نداء لإعادة ضبط البوصلة كي تبقى القوانين خادمة للقيم لا ناسفة لها.

سيداو ليست قدراً… والقرار بيد الأردنيين لصياغة نموذج يحمي المرأة ويحفظ الأسرة في آن واحد.

الكاتب من الأردن

قد يعجبك ايضا