“إسرائيل” ومحاولات صناعة العملاء… تجربة محكومة بالفشل
عمران الخطيب ….
يدرك الشعب الفلسطيني، مثل كل شعوب العالم التي ناهضت الاحتلال والاستعمار، أن الحرية لا تُمنح بل تُنتزع. ومنذ وعد بلفور المشؤوم، وقبل ذلك، رفض الفلسطينيون فكرة الخضوع أو التعايش مع الأمر الواقع الذي حاول الاحتلال فرضه. فالمقاومة لم تكن يومًا خيارًا طارئًا، بل هي بنت المعاناة اليومية والقهر المستمر.
وفي التجربة الفلسطينية الراهنة، وبعد ما يقارب عامين من الحرب الإبادية في قطاع غزة، لم ينجُ أحد من الاستهداف المباشر؛ فالقتل والجرح والاعتقال طالت الجميع دون تمييز—رجالًا ونساءً، شيوخًا وأطفالًا، فقراء وأغنياء، ومن مختلف الانتماءات. وفي ظل هذا الواقع، يغدو من المستحيل أن يقبل الشعب الفلسطيني بظهور “روابط القرى” جديدة أو تشكيل مليشيات عميلة على غرار “جيش لحد”، فهذه النماذج لن تجد لها موطئ قدم داخل مجتمع دفع ثمنًا باهظًا من دمائه وكرامته.
إن كل من يختار الوقوع في وحل العمالة والتساوق مع المشروع الصهيوني، إنما يخرج بإرادته من الصف الوطني، ويتجرد من قيم الانتماء، ويتجاهل أن الاحتلال يستهدف عموم الشعب الفلسطيني، مهما تعددت الخلافات أو تباينت الاجتهادات السياسية. فهذه الخلافات شأن داخلي يُعالج بالحوار، لا بالاستقواء بالاحتلال الإسرائيلي الاستيطاني الذي يمارس مختلف أشكال القتل والتدمير والإبادة.
رفض الوصاية… وخصوصًا الوصاية الأمريكية
بالتوازي مع رفض الشعب الفلسطيني للمشاريع الأمنية الإسرائيلية، فإنه يرفض أيضًا أي شكل من أشكال الوصاية الخارجية، خاصة تلك التي تأتي تحت العنوان الأمريكي لما يسمى “مشروع السلام”. فالسياسة الأمريكية، المنحازة بالكامل لـ”إسرائيل”، لم تقدّم أي خطوة حقيقية نحو تحقيق السلام العادل، ولم تعمل على وقف العدوان أو الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية.
وبالتالي، تتحمل الإدارة الأمريكية، خصوصًا في عهد الرئيس دونالد ترامب وما بعده، مسؤولية كبيرة عن استمرار عدم الاستقرار في المنطقة، بسبب دعمها غير المحدود للاحتلال.
ترتيب البيت الفلسطيني… بالحوار لا بالإملاءات
إن إصلاح النظام السياسي الفلسطيني وترتيب البيت الداخلي لا يمكن أن يتحققا إلا بالحوار الوطني الشامل، وصولًا إلى تفاهمات جامعة وتوافق وطني حقيقي. أما الإملاءات الخارجية—سواء جاءت عن طريق ضغوط سياسية أو تمويل مشروط من بعض المؤسسات الأوروبية أو عبر قنوات استخبارية—فهي مرفوضة شعبيًا ووطنيًا.
وليس من المقبول أن يتصدر الحديث عن “الإصلاحات” شخصيات تدير علاقات مفتوحة مع السفير الأمريكي أو مع سفراء دول الاتحاد الأوروبي، أو تتلقى دعمًا ماليًا من جهات خارجية، في حين تُستخدم بعض المنابر الإعلامية لتعزيز الانقسام تحت شعار الإصلاح. وكما يقول المثل: “كلام حقّ يُراد به باطل”.
لقد وصل الأمر ببعض الأطراف إلى حد استدعاء “إسرائيل” نفسها للتدخل في موضوع الإصلاحات الفلسطينية! وهذا أمر يناقض منطق التحرر الوطني ويتعارض مع الإرادة الفلسطينية الجامعة.
الخلاصة
إن أي إصلاح فلسطيني حقيقي يبدأ بالحوار الوطني وينتهي عبر صناديق الاقتراع في انتخابات عامة وشاملة تضمن تمثيل الشعب وإرادته، وتمنع كل أشكال التدخل الخارجي المشبوه.
عمران الخطيب
[email protected]
الكاتب من الأردن