فادي السمردلي يكتب: تدريب القادة ضرورة لا ترف
بقلم فادي زواد السمردلي …..
*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*
👈 *المقال يصوّر حالة عامة، وأي تشابه عرضي مع أشخاص أو وقائع حقيقية غير مقصود.*👉
لم تعد المطالبة بإخضاع القادة المنتخبين لدورات في فن الإدارة والتعامل مع الناس مطلبًا نخبويًا أو ترفًا تنظيريًا، بل أصبحت استحقاقًا منطقيًا فرضته التجربة والواقع اليومي المرير فالعلة الجوهرية لا تكمن في غياب القوانين أو ضعف النصوص، بل في غياب الإنسان المؤهل القادر على تحويل المسؤولية إلى فعل واعٍ.فكثيرون يصلون إلى مواقع القرار مدفوعين بالشعبوية أو الولاءات أو التوازنات السياسية، لا بالكفاءة، ثم يُتركون يواجهون الناس والقرارات والأزمات بعقلية هاوية، فيتخبطون ويخطئون ويسيئون لأنفسهم ولمَن انتخبهم، وكأن المنصب يمنحهم تلقائيًا الحكمة والقدرة، بينما الحقيقة أن القيادة علم يُتعلَّم قبل أن تكون موقعًا يُشغَل.
على الأحزاب وكافة الهيئات المنتخبة التي لها تماس مباشر مع المواطن والجماهير أن تدرك أن مسؤوليتها لا تنتهي عند إيصال ممثليها إلى الكراسي، بل تبدأ من هناك فالقائد غير المؤهل لا يضر بنفسه فقط، بل يضر بالمؤسسة التي يمثلها وبالثقة العامة التي بُنيت بشق الأنفس فالإدارة ليست ارتجالًا، والتعامل مع الناس ليس مسألة مزاج أو انفعال، ومن يفتقر إلى هذه المهارات سيحوّل أي موقع قيادي إلى بؤرة توتر وصدام بدل أن يكون مساحة خدمة وحلول.
إن فرض دورات حقيقية وجدية في الإدارة والقيادة والتواصل على القادة المنتخبين هو أقل ما يمكن تقديمه للمواطن الذي منح صوته وثقته فمن غير المنطقي أن تُدار شؤون الناس ومصالحهم المصيرية على يد أشخاص لم يتعلموا كيف يتخذون القرار، ولا كيف يديرون الخلاف، ولا كيف يضبطون خطابهم وسلوكهم فالكرسي لا يصنع قائدًا، بل يكشفه، والدورات التأهيلية تكشف مبكرًا من يصلح للقيادة ومن يجب أن يتعلم قبل أن يستمر.
القائد الذي لم يخضع لتأهيل حقيقي غالبًا ما يتعامل مع النقد بعدائية، ويرى في المواطن خصمًا لا شريكًا، وفي السؤال اتهامًا، وفي المحاسبة إهانة أما القائد الذي مرّ بتجربة تدريبية واعية، فيفهم أن النقد ضرورة، وأن الحوار قوة، وأن الاعتراف بالخطأ لا يُسقط الهيبة بل يبنيها فالدورات لا تصنع قائدًا مثاليًا، لكنها تمنع الأسوأ، وتضع حدًا للغرور والتسلط وسوء استخدام السلطة.
كما أن هذه الدورات تزرع ثقافة التقييم الذاتي، وهي أكثر ما نفتقده في العمل السياسي فيتعلم المسؤول كيف يراجع أداءه، وكيف يقيس قراراته بأثرها على الناس لا بصداها الإعلامي، وكيف يفرق بين المنصب كشرف والمنصب كتكليف فغياب هذه الثقافة هو ما جعل كثيرًا من القيادات تعيش في قطيعة تامة مع الواقع، وتفاجأ بغضب الشارع لأنها لم تتعلم يومًا كيف تصغي له.
إن الأحزاب التي ترفض إخضاع قادتها لدورات تأهيلية تتحمل مسؤولية مباشرة عن فشلهم، لأنها تكرّس فكرة أن الولاء يكفي، وأن الموقع أهم من الكفاءة بينما الأحزاب التي تستثمر في تدريب كوادرها تضمن حدًا أدنى من الاستقرار والجدية، وتقدم للمجتمع نماذج قيادة أقل صخبًا وأكثر فعلًا. فالدورات الإدارية والسياسية ليست إهانة للمسؤول، بل حماية له وللمؤسسة وللمجتمع.
في النهاية، فإن جعل دورات القيادة شرطًا أخلاقيًا وسياسيًا لتولي المنصب هو خطوة أساسية لإعادة الاعتبار لفكرة العمل العام وهو إعلان واضح بأن خدمة الناس ليست هواية، وأن السلطة ليست مكافأة، وأن من لا يتعلم كيف يقود لا يحق له أن يقود وبدون هذا الفهم، سنبقى ندور في الحلقة ذاتها، نغيّر الوجوه ونبقي الفشل، ويدفع المواطن الثمن في كل مرة.
الكاتب من الأردن