ماذا تريد إسرائيل من استهدافها لمخيمات شمال الضفة؟ هدمٌ وقتلٌ وتشريد… قراءة تحليلية
بقلم د. تيسير فتوح حجه …..
الأمين العام لحركة عداله
لم يعد استهداف مخيمات شمال الضفة الغربية، وخصوصًا جنين وطولكرم ونور شمس، حدثًا أمنيًا عابرًا أو ردّ فعل مؤقت، بل بات سياسة ممنهجة ذات أهداف واضحة، تُنفَّذ عبر القتل الميداني، والهدم الواسع، والتشريد القسري للسكان، في محاولة لإعادة تشكيل الواقع الفلسطيني
بالقوة.
أول ما تسعى إليه إسرائيل من هذا الاستهداف هو كسر رمزية المخيم، فالمخيمات ليست مجرد تجمعات سكانية، بل شاهد حيّ على جريمة اللجوء المستمرة منذ عام 1948، وعنوان سياسي لقضية اللاجئين وحق العودة. من هنا، تحاول إسرائيل تفريغ المخيم من مضمونه الوطني والإنساني، وتحويله إلى مساحة خالية من البشر
والذاكرة.
ثانيًا، تهدف هذه السياسة إلى فرض نموذج أمني جديد في شمال الضفة، يقوم على العقاب الجماعي، وإعادة الاحتلال العسكري المباشر، وتدمير البنية الاجتماعية الحاضنة لأي شكل من أشكال المقاومة، في ظل عجز سياسي إسرائيلي عن تقديم حلول حقيقية أو تحقيق استقرار دائم
ثالثًا، يسعى الاحتلال من خلال الهدم والتشريد إلى دفع السكان نحو الهجرة القسرية الصامتة، سواء داخل الضفة أو خارجها، في إطار سياسة تهجير ناعمة تتكامل مع الاستيطان والتوسع الجغرافي، وبما يخدم مشروع الضم الزاحف للأراضي الفلسطينية.
رابعًا، لا يمكن فصل ما يجري في مخيمات شمال الضفة عن محاولة تصدير الأزمة الداخلية الإسرائيلية، سياسيًا وأمنيًا، عبر افتعال معارك دموية في الساحة الفلسطينية، واستثمار الدم الفلسطيني لتحقيق مكاسب داخلية على حساب القانون الدولي وحقوق الإنسان.
إن حركة عداله تؤكد أن ما تقوم به إسرائيل في مخيمات شمال الضفة الغربية يشكّل جريمة حرب مكتملة الأركان وفق اتفاقيات جنيف، وانتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، ويستدعي تحركًا فلسطينيًا رسميًا وشعبيًا عاجلًا، يرتكز على الوحدة الوطنية، وتفعيل أدوات المساءلة الدولية، ووقف سياسة الصمت والتكيّف مع الجريمة.
وترى حركة عداله أن حماية المخيمات وسكانها ليست مسألة إنسانية فقط، بل قضية وطنية بامتياز، تتطلب إعادة الاعتبار لدور منظمة التحرير، وتوحيد البرنامج السياسي والنضالي، وعدم ترك المخيمات تواجه آلة القتل والتدمير
وحدها.
ختامًا، فإن ما تريده إسرائيل من استهداف مخيمات شمال الضفة هو كسر الإنسان الفلسطيني قبل كسر الحجر، لكن التجربة التاريخية تؤكد أن المخيم، رغم الجراح، سيبقى عنوانًا للصمود، وأن سياسة الهدم والتشريد لن تصنع أمنًا، ولن تلغي شعبًا، ولن تُسقط حقًا.
الكاتب من فلسطين