معاريف: الحرب النفسية في أوجها: إسرائيل وإيران تديران لعبة بوكر عصبية

شبكة وهج نيوز : طال ليڤ رام

ترجمة: مرعي حطيني

 تعتقد الجهات الأمنية أن إيران تواصل تحضيراتها المتقدمة لتنفيذ عملية انتقامية كبيرة ضد إسرائيل. وفي هذا الوقت فإن التقارير التي نُشرت في وسائل الإعلام الإسرائيلية اليوم لم تأتِ من قبيل الصدفة، وهي تهدف إلى تمرير رسالة لإيران مفادها أن إسرائيل تتابع هذه التحضيرات وتستعد للرد عليها رداً واسع النطاق في حال نفذ الإيرانيون تهديداتهم وتحضيراتهم التي يقومون بها على أبواب العملية الانتقامية.

 ومن الممكن التقدير أن تكون هذه الرسالة موجهة أيضاً إلى كل من روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، وهي قد جاءت بهدف التلويح لهما بأن الأزمة الحالية أكبر من التوتر الذي حدث في أعقاب الهجوم الأمريكي على سوريا وأنه ما لم تتدخلا للجم إيران فإن المنطقة قد تنزلق إلى الحرب. ويجب أن نرى في التقارير التي نُشرت اليوم على أنها جزء من الحرب النفسية التي تديرها إسرائيل ضد إيران وذلك في محاولة لثني الرئيس حسن روحاني عن العمل ضد إسرائيل ودفع روسيا للتدخل ولجم قائد فيلق القدس قاسم سليماني عن جر المنطقة إلى الحرب.

 وما لم تؤتِ هذه الجهود لنقل الرسائل العلنية عبر وسائل الإعلام، وعبر السبل الدبلوماسية، ما لم تؤتِ هذه الجهود أوكلها، وإذا ما رأى الجيش الإسرائيلي أن الإيرانيين يصرون على أفعالهم، فإن إسرائيل ستواجه معضلة ما إذا كانت ستقوم بعملية استباقية لضرب قدرات إيران لتنفيذ العمل الانتقامي من الأراضي السورية، وهي عملية من شأنها أن تؤدي إلى المزيد من التصعيد. وفي إسرائيل يقدمون على مستوى التصريحات، على الأقل، معادلة بسيطة: إذا ما قمتم بالهجوم فإن ردنا لن يكون متناسباً. كما أنه لا يزال هناك مجال للتقدير بأن الرد الإيراني سيكون محدوداً وضيقاً، وسيكون لذلك أيضاً أثر على طبيعة رد إسرائيل غير المعنية بالحرب في الشمال.

 مخاوف من سوء الفهم

إن المشاكل الرئيسية في أحداث من هذا النوع تأتي نتيجة لسوء الفهم والتقديرات الخاطئة لكل طرف حيال الطرف المعادي له وحيال نواياه العدوانية. ومن ناحية إسرائيل فإن الرسالة الرئيسية في نشر المواد هي: إنكم مكشوفون لنا، ونحن نتابع نواياكم ومن الأفضل لكم أن تتراجعوا.

وفي مقابل ذلك فإنه يمكن للإيرانيين أن يروا في نشر المواد على أنه التحضيرات الأخيرة من قبل إسرائيل، وبخاصة لجهة الحصول على الشرعية الدولية، لشن هجوم جوي واسع النطاق يقوم به الجيش الإسرائيلي ضد القوات الإيرانية، وذلك للقضاء على القدرات العسكرية الإيرانية في سوريا. وهدف النشر من جانب إسرائيل هو لجم الإيرانيين وإقحام الدول العظمى في وقف التدهور والحيلولة دون التصعيد، إلا أنه ليس من المستبعد أن يكون التحليل الإيراني مختلفاً تماماً ويستمر التوتر. والحديث يدور هنا عن لعبة بوكر عصبية جداً من الممكن أن يكون لكل تصرف فيها تداعيات كبيرة على الاستقرار الإقليمي.

 وحسب الإدعاء الإسرائيلي فإن الحرس الثوري الإيراني يستخدم خمسة مطارات لبناء قدراته العسكرية في سوريا وهي: حلب ودير الزور والـ T4 ودمشق الدولي والضمير. وللوهلة الأولى يبدو أنه لا يوجد ما هو جديد في هذه المعلومات فالإيرانيون قد استخدموا هذه المطارات على مدى سنوات الحرب الأهلية في سوريا. إلا أن الفرق، كما يقولون في إسرائيل، هو أن قاسم سليماني يستخدم الحرس الثوري، خلال العامين الأخيرين، كمتعهد لتنفيذ بناء ذراع جوية هدفها العمل ضد إسرائيل وقت الحاجة عبر استخدام طائرات بدون طيار وصواريخ أرض – أرض. وكدليل على ذلك، حسب تقديرات الجيش الإسرائيلي، فإن إيران زادت من وتيرة تنفيذ هذا التوجه وذلك في الوقت الذي تتراجع فيه التهديدات وتتراجع رقعة الحرب مع المتمردين بحيث بدأت تتطلب أنواع مختلفة تماماً من العتاد الذي يرسله الإيرانيون إلى سوريا.

 حزب الله يتراجع خطوة إلى الوراء

في عام 2015 بعد أن قام الجيش الإسرائيلي باستهداف وتصفية ضباط في حزب الله وفي الحرس الثوري في هضبة الجولان من الجو والذين كانوا، حسب إدعاء الجيش الإسرائيلي، يخططون لتنفيذ عملية على الحدود، كان حزب الله هو من قام بتنفيذ العملية الانتقامية وذلك عندما أطلق صواريخ مضادة للدروع (كورنيت) باتجاه قوة تابعة للجيش الإسرائيلي وقُتل جراء ذلك ضابط وجندي. وقد اختارت إسرائيل عدم الرد بهدف تفادي التصعيد. وكانت عملية الانتقام حينها محدودة نسبياً ولم تنفَذ بشكل مباشر من قبل الإيرانيين، إلا أن حزب الله يُظهر بشكل واضح أن اللعبة لن تكون لعبته هذه المرة. وإذا ما كانت إيران معنية بالرد فإنها ستكون مضطرة للعمل لوحدها، وعليه فإن طهران تواجه معضلة كبيرة وهي أن أي رد موضعي صغير سيتم تفسيره على أنه ضعف أمام إسرائيل. وفي مقابل ذلك فإن من شأن أية عملية كبيرة أن تؤدي إلى تصعيد كبير في الوقت الذي من المتوقع فيه أن يقوم الرئيس ترامب في الشهر القادم باتخاذ قراره حول مستقبل الاتفاق النووي مع إيران.

 وكما نشرت صحيفة “معاريف” في الأسبوع الماضي فإن الرسائل الإسرائيلية ليست موجهة فقط إلى الروس الذين يقوم قاسم سليماني بالكذب عليهم ويهدد مصلحتهم الرئيسية في الهدوء والاستقرار، أو للأمريكيين ليتدخلوا بشكل أكبر في ما يجري في المنطقة وألا يكتفوا بالظهور مصادفة ولمرة واحدة في هجوم رمزي. بل إن الرسالة موجهة هذه المرة باتجاه الرئيس حسن روحاني حتى يقوم بكبح سليماني الذي يقود، حسب التقديرات الإسرائيلية، خطاً متشدداً مستقلاً وذلك في تناقض مطلق مع موقف الرئيس في إيران.

 فهل روحاني مطلع على بناء الذراع الجوية والقوة الأمامية الإيرانية المخصصة للعمل ضد إسرائيل؟ تعتقد الجهات الأمنية في إسرائيل أن سليماني يكذب عليه. وهذا بطبيعة الحال إدعاء بحاجة إلى إثبات ومن غير الممكن أن نرى فيه أمراً منتهياً. كما أن التوترات بين الاثنين واضحة وتحاول إسرائيل اللعب عليها. والكشف عن الصور، بالإضافة إلى صورة الوضع، موجه أيضاً لمسامع روحاني الذي ما لم يكن، لخطأ ما، لم يعرف أو لم يرَ ما يحصل في سوريا فإن هذه هي فرصته لإظهار ما يريد هو: فهل هو معني في أن يجره قائد فيلق القدس إلى مواجهة عسكرية مع إسرائيل على الأراضي السورية؟

 المصدر: معاريف

قد يعجبك ايضا