غزة… عينُ اللهِ رعتها، وعينُ السهمِ عَمَتْه

بقلم: د. تيسير فتوح حِجّة …..

الأمين العام لحركة عداله
غزة ليست رقعةً جغرافيةً محاصرة فحسب، بل شاهدٌ حيّ على صراعٍ بين الحقّ المطلق والعدوان الأعمى. هي الأرض التي تعاقبت عليها النكبات، وتكسّرت على شواطئها كل محاولات الإخضاع، وبقيت رغم الجراح واقفة، لأن عين الله ترعاها وإن عَمِيَتْ عنها عيون العالم، ولأن عين السهم التي وُجّهت إلى صدرها لم تُبصر الحقيقة، بل أطلقت حقداً أعمى لا يرى إنساناً ولا قانوناً ولا أخلاقاً.
منذ عقود، تتعرض غزة لحصار خانق وعدوان متكرر، يُستهدف فيه الإنسان قبل الحجر، والطفل قبل المقاتل، والمستشفى قبل الثكنة. تُقصف البيوت، وتُدمَّر البنى التحتية، وتُغلق المعابر، ويُترك الناس فريسة للجوع والبرد والمرض. كل ذلك يجري أمام مرأى العالم، الذي اكتفى بدور الشاهد الصامت، أو الشريك بالصمت، أو المتواطئ بازدواجية المعايير.
إن ما تتعرض له غزة ليس “حرباً” بالمعنى القانوني، بل جريمة مستمرة مكتملة الأركان: عقاب جماعي، وجرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية. ومع ذلك، تُشلّ الإرادة الدولية، وتُفرغ القوانين من مضمونها، حين يكون الضحية فلسطينياً، والجاني محمياً بميزان القوة والسياسة.
ورغم هذا السواد، تبقى غزة عنوان الصمود. من تحت الركام يخرج الأمل، ومن بين الدمار يولد الإصرار على الحياة. غزة لم تستسلم يوماً، لأنها تدرك أن معركتها ليست فقط من أجل لقمة العيش، بل من أجل الكرامة والحق والوجود. هي مرآة فاضحة لعجز النظام الدولي، لكنها في الوقت ذاته ضميرٌ حيّ يذكّر البشرية بما تبقى من إنسانيتها.
ومن موقعنا في حركة عداله، نؤكد أن العدالة لا تتجزأ، وأن صمت العالم عن غزة هو سقوط أخلاقي وقانوني مدوٍّ. نرى أن حماية الشعب الفلسطيني، ورفع الحصار عن غزة، ومحاسبة مرتكبي الجرائم، ليست مطالب سياسية فحسب، بل واجبات قانونية وإنسانية لا تقبل التأجيل أو المساومة. كما نؤمن أن أي حديث عن السلام دون إنهاء الاحتلال، ودون ضمان الحقوق الوطنية المشروعة لشعبنا، هو وهمٌ يُعاد تسويقه لتجميل الظلم لا لإنهائه.
غزة اليوم امتحان للعالم كله: إما أن ينتصر لعدالةٍ حقيقية تُنقذ الإنسان حيثما كان، أو أن يواصل العمى، ويترك عين السهم تعبث بالدم والخراب. أما غزة، فستبقى، لأن عين الله رعتها، ولأن الحق، مهما طال عليه الزمن، لا يموت.

الكاتب من فلسطين

قد يعجبك ايضا