«آمال ماهر» وذات تركي الشيخ التي لا تُمس!
سليم عزوز
لا أتذكر أنني استمعت إلى المطربة الشابة «آمال ماهر» ولو على سبيل الصدفة، فأنا من جيل «عبد المطلب» و«فريد الأطرش»، وهو الجيل التالي لجيل «الطشت قالي يا حلوة يالي قومي استحمي».
و«آمال» من مواليد سنة (1985)، وجل ما سمعته عنها في العهد البائد، أن «سوزان مبارك» كانت معجبة بصوتها، وأنها تبنت موهبتها، وربما أرادت بذلك أن تقلد «جيهان السادات»، التي تبنت موهبة «ياسمين الخيام»، لكني قرأت بعد الثورة كلاماً منسوباً للمطربة الشابة ضد حرم الرئيس المخلوع، وهو أمر لم أتحقق منه، تماماً كما لم أنشغل بفكرة أن زوجة الرئيس لها في اللون، وتتبنى المواهب الغنائية، وإن صحت العلاقة، وصح التصريح، لكان أمراً طبيعياً، ففي مرحلة الثورة عرفنا ظاهرة «المتحولين»، وكانت أوضح ما تكون في المجال الإعلامي، لدرجة أن «لميس الحديدي»، المسؤولة في حملة حسني مبارك الانتخابية، أعلنت أنهم كانوا يلاقون الأمرين في ظل الحكم الشمولي قبل الثورة!
«علاء مبارك»، النجل الأكبر للرئيس السابق، ذكرني بهذا الوصف بـ «المتحولين» عندما وصف «ياسر رزق» الصحافي المقرب من «عبد الفتاح السيسي» بـ «المتحول»، وذلك في تغريدة له عبر «تويتر»، عقب اطلاق سراحه، ولم يقصد «التحول» بمعناه الذي عرفناه بعد الثورة، مع أن «رزق» كان من هؤلاء المتحولين، فقربه من أهل الحكم في مرحلة ما قبل الثورة، مكنه من أن يُستدعى رئيساً لتحرير مجلة «الإذاعة والتلفزيون» التي تصدر عن اتحاد «الإذاعة والتلفزيون»، لتمكينه في هذه السن المبكرة من دخول «نادي رؤساء التحرير»، ولتكون المرحلة التالية منطقية، عندما تم تعيينه رئيساً لتحرير جريدة «أخبار اليوم»، لكنه بسقوط مبارك تحول إلى ثائر، وفتح مؤسسة «أخبار اليوم»، لاستقبال مئات الشباب، الذين انتحلوا صفة «أصحاب الثورة»، وشكلوا «ائتلافات» أطلقت عليها حينها «ائتلافات الوجاهة الاجتماعية»، وهم الذين احتضنهم المجلس العسكري الحاكم، ومهد بهذا الاحتضان لمرحلة الانقضاض على الثورة!
ولم يشارك «رزق» بطبيعة الحال في الثورة، لكنه شارك في توابعها، وكانت المفارقة أنه في الوقت الذي كان يشارك فيه في التوابع في مرحلتها الأولى، ويجلس في ميدان التحرير موجهاً ثوار المرحلة، كانت صوره مرفوعة، في ذات الميدان، ضمن الإعلاميين الذين يطالب الثوار برحليهم، بجانب عبد اللطيف المناوي رئيس قطاع الأخبار في التلفزيون المصري، الذي قام بتشويه الثورة والثوار، لكن المجلس العسكري حاول حمايته، وفي النهاية أخرجه «ثوار ماسبيرو» من المبنى بقوة الدفع الثوري، وصديقنا «صلاح عبد المقصود» وزير الإعلام، في عهد الرئيس محمد مرسي، قال إنه بحث عن الإخوان في هذا المبنى فلم يعثر سوى على ثلاثة، وكأنه كان من الممكن أن يعثر على الإخوان هناك، وكان عليه أن يستدعي «ثوار ماسبيرو» ليشد بهم أزره، لكنه احتمى بدولة ماسبيرو العميقة، فالتهمته. ولا داعي للتفتيش في الدفاتر القديمة.
ما قصده «علاء مبارك»، بوصف «المتحول»، أن المقصود به، تحول من مباركي، إلى سيساوي، وقد استدعى لقناة «المخابرات»، «دي أم سي» ليشارك في حملة الإبادة الاعلامية ضد نجلي الرئيس السابق، وكان واضحاً أنه مريض، وقد جاء من سرير المرض لهذه المهمة القومية، فقال إنه يخشى من صفقة بين «جمال مبارك والإخوان»، تأتي بنجل مبارك رئيساً. ويبدو أن هذا الأمر يقلق السيسي كثيراً، لدرجة صدور تحذير منه، عبر «ياسر رزق»، لجمال مبارك، بأن يلزم بيته!
الكاهن والفرعون
«التسريبات»، التي أذاعتها قناة «مكملين»، أكدت على حجم العلاقة بين «الكاهن» و»الفرعون»، وكثيرون حاولوا أن يكونوا «كهنة المرحلة»، ففشلوا، ليفوز بالموقع «ياسر رزق»، الذي يتكلم والسيسي ينصت، وهو الأمر الذي لم يفعله مع الآخرين، بمن فيهم فريق من كبار المثقفين من بينهم الشاعر «أحمد عبد المعطي حجازي»، الذي كان يستمع معجباً بالسيسي وهو يتحدث عن «الفلاتر»، وكيف أنهم يلاحظون تعثره عندما يتكلم، لأن الكلام يمر عنده على عدة «فلاتر» منها «فلتر الصدق»… إلخ!
وهذه الثقة ليست وحدها كافية لاستمرار العلاقة على ما يرام، فمن الواضح أنه في ظل حكم الأجهزة الأمنية، فإن كثيرين لا يروق لهم هذا القرب، وفي ظل تنازع الاختصاص بين الأجهزة، فإن مثل هذه العلاقة على «جرف هار»، ومن المحسوبين على المرحلة، من قرأت لهم هجوماً على «ياسر رزق»، فأيقنت أنه صار في مرمى نيران جهاز أمني بعينه. ولتقريب المسألة لعقل القارئ، فإن جهازاً أمنياً هو الذي أعطى الأمان لصحافيي «الجزيرة الأنكليزية» للعمل من القاهرة، عبر «محمد فهمي»، فدخل جهاز أمني أخر على الخط، فدفع بهم إلى السجن. وقد فوجئ الرأي العام بمنع الشيخ السلفي «محمد سعيد رسلان» من الخطابة، وفوجئوا بحملة اعلامية تستنكر عزله وتطالب بعودته، ومن أشخاص بعينهم، ليسوا مشغولين بالفكر وبالدعوة، واللافت كذلك أن عزله سبقه هجوم إعلامي أيضاً، وإذ فجأة تقرر وزارة الأوقاف عودته لمنبره، فكان هذا كاشفاً عن أن جهازاً منعه، ليقوم جهاز آخر باعادته لمنبره، وفي الحالتين كان دور وزارة الأوقاف لا يختلف كثيراً عن دور الأذرع الإعلامية، فهى، وهم، ليس أكثر من أداة لتنفيذ إرادة هذا الجهاز وذاك الجهاز!
ما علينا، فقد نسيتم أننا كنا نتحدث عن المطربة «آمال ماهر»، والتي لم أتذكر أنني استمعت لها، لكن اسمها صار مادة على الـ»سيوشيال ميديا» في الآونة الأخيرة، ليكون التجاهل الإعلامي هو أهم ما موضوعها؛ فالبرامج التلفزيونية التي تبحث عن «الساقطة» و»اللاقطة»، لم تهتم بها، وفي الوقت الذي وجدنا فيه «معتز الدمرداش»، يسبق الجميع باستضافة الطفل، الذي كان يطلب من معلمته باكياً، مجرد ربع ساعة لينام فيها لم يستضف «أمال» كما لم يهتم أي برنامج آخر بأزمتها، والتي عبرت عن ما تعانيه من اضطهاد، بكلمات تحتاج إلى شرح وتوضيح، وهو ما يغري أي إعلامي، ليكون التجاهل الإعلامي هنا، قضية تجيب على أسئلة مطروحة!
في «ما قل ودل»، نوضح قضية «آمال ماهر» لغير المتابعين، فقد نُشر أن الوزير السعودي، والمستشار بالديوان الملكي «السعودي أيضاً»، اعتدى عليها بالضرب، لتحرر هي محضراً بالواقعة، ونُشر أن علاقة زوجية ربطت بهما، ومن الواضح أنها انتهت بالفشل، وتم الإعلان عن أن «أمال» سحبت بلاغها بالضرب، مع ما يفيد أنها تعرضت لضغوط من «أهل الحكم»، ومما يحسب للقوم هو سهرهم على راحة «غرف النوم»، ووزير داخلية طولاً بعرض، قام قبل ثلاثين سنة بابعاد مطربة لبنانية شابة من مصر، لأنها خطر على الأمن القومي المصري، لتثبت الأيام أنها كانت خطراً على أمن غرفة النوم لموسيقار كبير، حيث غارت منها زوجته فطلبت من الوزير ابعادها، ففعل، وكان لا بد من حيثيات للقرار العنيف، فكان الاتهام بخطورة الفنانة على الأمن القومي المصري، وقد عادت لمصر بعد ذلك، ولم يتعرض الأمن القومي المصري لأي هزات، يمكن أن تؤثر على ظاهرة الاحتباس الحراري في المنطقة!
دوام تركي الشيخ
انتهى أمر «آمال ماهر» بسحب البلاغ، ودخل الموفد السعودي، الذي يقضي دوامه في القاهرة، في مشاكل كثيرة، وإذا فجأة يكتب تغريدتين على طريقة الكلمات المتقاطعة غير المفهومة، وعلى وزن عبارة الغزل العفيف للمعلمين في المدبح: «بكرة تندم يا جميل»، وقد ردت «أمال» بتغريدتين أيضاً، في كل تغريدة استخدمت كلمات من تغريدة «آل الشيخ» المستهدفة بالرد، في لحظة استغفل فيها الطرفان الأمة!
وفي اليوم التالي كتبت الاعلامية « شهيرة أمين»، أن الشرطة قامت بتشميع شقة جارتها «آمال ماهر»، ومنعتها من الدخول. و«شهيرة» هي هذه «الطلقة الإعلامية» التي ظهرت في مقابلة تلفزيونية راقية مع الدكتور محمد مرسي، وبدت فيها ذات حضور مهني رفيع المستوى، وعندما سأل الناس من تكون هذه؟ قيل إنها قضت حياتها المهنية تعمل باللغة الانكليزية لهذا فلم يعرفها المشاهد المصري، وهي حفيدة المفكر «أحمد أمين»، وعمها الدكتور «جلال أمين» الذي وافته المنية مؤخراً، فخالص العزاء لها.
«تشميع الشقة»، الذي لا نعرف حيثياته القانونية، كان بعد تهديد على طريقة «اللوغاريتمات» لـ «تركي آل الشيخ»، بأنه لن يرحم، فذكرنا بالخطاب الأخير للرئيس السادات بعد قرارات التحفظ على معارضيه، وهو يقول «لن أرحم»، وهو الخطاب الذي قال فيه «لا يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعباد»، وعلق الشيخ «كشك» في مذكراته بعد ذلك، بأنه لو قال «العبيد» لكان قد كفر!
ولعلها المرة الأولى التي تحدثت فيها «آمال ماهر» بشكل أقرب للصراحة، عندما كتبت على «تويتر» أنها تتعرض هي وعائلتها لضغوط، والحرب ضدهم تتزايد، فالأستوديو الخاص بها تم تشميعه، وتم اغلاق صيدلية لشقيقها، وأن التهديدات لها لم تتوقف!
وهو كلام مثير، يستحق المناقشة، باستدعاء المطربة الشابة، والتعرف على تفاصيل قصتها وبادعاء البراءة، فمن يدري فقد تكون مدعية وليست ضحية أو مجني عليها. وفي جميع الأحوال هو موضوع لا تنقصه الإثارة، التي يبحث عنها الإعلام، وبشكل أكبر في هذه المرحلة، حيث تهرب برامج «التوك شو» بعيداً حيث الإثارة، فماذا هناك!
منذ عدة أيام نشر على نطاق واسع، أن حسين الزين، رئيس الهيئة الوطنية للاعلام، مرر قراراً على القنوات التلفزيونية بمنع ظهور «آمال ماهر» تلفزيونياً، ومنع بث أغانيها، وهو أعلن «حسين» بعد ذلك عدم صحته، فهل صحيح أن القرار لم يصدر؟ وأنه أُرتأى أن ينفذ عملياً مع الإنكار، ولهذا لم تجرؤ قناة تلفزيونية على أن تستضيف «آمال ماهر» لتسألها عن ما كتبته، فهي ليست واحدة من آحاد الناس، لكنها مطربة مشهورة، ومن المؤكد أن لها جمهورها، وإن لم أكن منهم، باعتباري من جيل «ساكن في حي السيدة وحبيبي ساكن في الحسين»!
أم تراه الخوف، من الاساءة لتركي آل الشيخ، المندوب السامي السعودي في القاهرة، وصاحب الذات التي لا تمس! يالها من مأساة.
صحافي من مصر